للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أظن أنه سيأتي يوم لا يطرب الناس فيه لصوت الشيخ مصطفى إسماعيل وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، إن الأنغام متوارثة في الأنفس، والجمال مصون في تلافيف القلوب، والطرب مركوز في الطباع، فلا يخدعنك عن الحق غلبة الباطل، ولا يزهدنك في الطيب كثرة الخبيث.

ثم أعود بك أيها القارئ الكريم إلى أسباب محنتنا فيما نكتب وفيما نقول، وقد جمعت لك أسباباً شتى، ولعلك جامع إليها أسباباً أخرى بصائب نظرك، وحسن تأتيك، وتهديك إلى ما لم أهتد إليه:

أولاً: ذهاب الكبار بالموت أو بالملل أو بالمصانعة: والموت لا مرد له ولا حيلة فيه، وبموت الكبار يضيع الصغار ويذهب العلم، أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»، صحيح البخاري (باب كيف يقبض العلم، من كتاب العلم) ١/ ٣٦.

أما الملل فهو من كواذب الأخلاق، كما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، على أن بعض كبار أدبائنا معذورون فيما دفعوا إليه من المل، لما يرونه من فساد لم ينشأوا عليه، ولما حاق بهم من أذى أضيروا منه.

وأما المصانعة فهي داء خبيث، لا معذرة له ولا مسامحة فيه، وبالمصانعة هذه خاض بعض كبارنا فيما يهزل به مدعو الأدب والحداثة، وكأن هؤلاء الكبار خشوا على أنفسهم آفة النسيان، وأرادوا أن يكونوا ظاهرين في الأرض، وكأنهم يقولون: لأن نكون في جلبة الأضواء خير من أن نكون في صمت الظلام، وهم يعلمون في دخيلة أنفسهم أن هذه الأضواء خادعة، وأن مدها منقطع، لأن مولدها ضعيف، ولا ينقضي عجبي من بعض هؤلاء الكبار، وهم من تلاميذ طه حسين وأمين الخولي وأحمد أمين ومصطفى السقا وإبراهيم أنيس، وبقية هذا الجيل العظيم، كيف يستكون على هذا العبث، بل كيف يتعاملون معه ويحضرونه

<<  <  ج: ص:  >  >>