بسبعين ألف دينار، تبعث بها إلى خزانة الخليفة في كل عام. ووثق علاقة الدولة ببعض ملوك الفرنجة، فكانت له صلات ومودة مع ملك فرنسا كارلوس الكبير الملقب بشارلمان، وكانا يتهاديان التحف، على ما هو معروف.
وبعد ... فهل نطمع أن نرى اسم هارون الرشيد يتلألأ ويتضوَّأ على صدر جامعة عربية، أو يتزين به مركز بحث علمي، بدلاً من قاعة هارون الرشيد، وحلواني هارون الرشيد؟ .
[أبو نواس ... صفحة مضيئة]
أما رفيقة أبو نواس فهو شاعر العربية في المائة الثانية بعد بشار بن برد، وهو يمثل صفحة مضيئة في كتاب الشعر العربي، جاء فملأ الأسماع وبهر الأنظار، واستوى في الإعجاب بشعره الجادون والهازلون؛ لأنه دار بين الجد والهزل. وقد خلط الناس في أمره قديماً وحديثاً. لكن المحنة في زماننا أن كثيراً من شباب هذه الأيام ممن نلقاهم أو نقعد منهم مقعد الدرس في الجامعة، لا يعرفون عنه إلا هذا الجانب الهازل الماجن، لأن بعض الدارسين يستهويهم هذا الجانب الماجن من حياة أبي نواس، فيطيلون الوقوف عنده، ويغدون ويروحون فرحين بما آتاهم علم التحليل النفسي. والإغراق في معطيات هذا العلم يحجب كثيراً من الحقائق، ويصد عن أبواب كثيرة من العلم، وقد يدخل الدارس في مضايق يعسر عليه التخلص منها إلا بخداع من القول وضروب من الاحتيال.
وشبابنا معذور أيضاً لأن ما يأتيه عن أبي نواس إنما يأتي كثير منه من تصورات العامة حول شخصية أبي نواس، وما تنسجه حوله من أخبار وحكايات يمتزج فيها الحق بالباطل، ويداخل الخير فيها الشر. ولست بحاجة إلى التذكير بما يسمونه «المعالجة الدرامية» في أفلامنا ومسلسلاتنا، وما يحدث في هذه المعالجة من اضطراب وتشويه للأحداث وتاريخ الرجال، ليسلم لهم ما يريدون من الإثارة والإمتاع.