للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقد دلَّنا شيخنا أبو فهر مشافهة - على موضع آخر لهذه الظاهرة النحوية، في شعر لحسان السعدي، وهو من أقدم ما قيل في الجاهلية، وهو قوله:

أرى الموت ممن شارك الماء غاية ... له أثر يجري إليه ومنتهى

فلا ذا نعيم يَتْرُكَنْ لنعيمه ... وإن قال فرِّطني وخذ رشوة أبى

ولا ذا بؤوس يَتْرُكَنْ لبؤوسه ... فتنفعه الشكوى إذا ما هو اشتكى

النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري ص ٣٥٨.

أما البصر بمعاني الشعر، والوقوف عند وقائعه، وترجيح رواياته، فقد أوفى فيه أبو فهر على الغاية، والشعر كان ولا يزال هو مدخله إلى ثقافة هذه الأمة وحضارتها، وكانت قضية انتحاله والشك فيه هي المفجر الأول لطاقاته وإبداعه، ثم كانت هي الدافع له إلى أن يظهر على فروع الثقافة العربية كلها، ولا سبيل إلى ذكر كل تجليات أبي فهر في فهم الشعر وتذوقه، وتخطئة الأقدمين والمحدثين في فهمه، فذلك مما يحتاج إلى سفر خاص، ولنكتف بذكر مثال واحد:

أنشد أبو جعفر الطبري في تفسيره ٩/ ٤٧٣ هذا الرجز المشهور لرشيد بن رميض العنزي - وهو الذي أنشده الحجاج بن يوسف الثقفي فيما بعد:

قد لفَّها الليل بسوَّاقٍ حُطم ... ليس براعي إبل ولا غنم

بات يقاسيها غلام كالزَّلم ... خدلَّج الساقين ممسوح القدم

ورواية الشطر الأخير مما استفاضت به كتب العربية، لكن أبا فهر يقول:

"خدلَّج الساقين: ممتلئ الساقين، وهذا غير حسن في الرجال؛ وإنما صواب روايته ما رواه ابن الأعرابي: "مهفهف الكشحين خفَّاق القدم"، أي ضامر الخصر".

[تصحيح رواية الشعر]

وتصحيح اللغة وتصحيح رواية الشعر مما يفيض ويتسع في كتابات وتحقيقات أبي فهر كلها، وهو موصول بما كتبه الأوائل في ذلك، مثل التنبيهات على أغاليط الرواة، لعلي بن حمزة البصري (٣٧٥ هـ)، والتنبيه على حدوث التصحيف لحمزة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>