وقد تغيَّا ابن منظور من تأليف معجمه هذا غايات، أبَنْت عنها في مقالة لي بالهلال (مارس ١٩٩٢ م)، لكني أستأذن قارئي الكريم في أن أعيد ذكر غاية واحدة من تلك الغايات - لاتصالها بموضوعنا الآن - وهي غاية قومية وطنية، باعثها الغَيرة على العربية والعصبية لها، بعد أن أطرح بعض الناس الحديث بالعربية وهجروها إلى اللغة الأعجمية، وهي التركية في ذلك الزمان.
[اختلاف الألسنة]
يقول ابن منظور في مقدمة اللسان:"وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحناً مردوداً، وصار النطق بالعربية من المعايب معدوداً، وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفتخرون، وصنعته كما صنع نوح الفُلك وقومه منه يسخرون".
فهذا حديث ابن منظور، سقته على سبيل الوجازة والاختصار. .
أما حديث ابن هشام فمُجمل القول فيه أنه: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد ... ابن هشام الأنصاري المصري، ولد بالقاهرة سنة (٧٠٨ هـ) وتوفي بها سنة (٧٦١ هـ)، حصّل علوم العربية، واشتغل بالتدريس والإِقراء، وصنف تصانيف كثيرة، جمهورها في علم النحو، وقد بلغت تآليفه فيه نحو (٣٠) مصنفاً، ما بين رسالة صغيرة، إلى كتاب كبير، ومن أشهرها: الإِعراب عن قواعد الإِعراب، وقطر الندى وبل الصدى، وشذور الذهب، وأوضح المسالك، وشرح ألفية ابن مالك، المسمَى أوضح المسالك. ويأتي على رأس مصنفاته النحوية كلها: كتابه الماتع: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، وهو الذي يقول عنه ابن خلدون:"ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها، استوفى فيه أحكام الإِعراب مجملة ومفصلة، وتكلم على الحروف والمفردات والجمل، وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها، وسمَاه بالمغني في الإِعراب".