وسَرَّت النفس أمسِ ذات الفرا ... شات التي ريمُ جيدها صَنَمُ
ثم قال:«هذا بحر المنسرح فاعرفه: بحرٌ طروب إلى جارية وحشية عروب».
وأقول: حسبنا أن نذكر من هذا البحر رائعة المتنبي التي أولها - وهو مما قاله في صباه:
أهلًا بدارٍ سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خردها
[شرح القصيدة وتحليلها]
تبدأ القصيدة في روايتها المسندة، وفي سائر الكتب بهذا البيت:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ولا ينبغي أن يظن أن هناك نقصاً؛ فإن الرواية مجمعة على هذا الاستفتاح، وهو استفتاح غريب حقاً، وهو دال على حالة شعورية عجيبة، فكأن الشاعر طوى أشياء كثيرة في صدره، قفز منها إلى مقصوده الأعظم وشاغله الأقوى، أو كأنه لا يحفل بما تعارف عليه الشعراء في عصره من استفتاح القصائد، فكأنه لا يحب أن يرد طريقاً مسلوكاً. ولو وقع مثل هذا البدء في شعر شاعر من القوم في زماننا هذا لكان لنقادهم فيه ضجيج واحتفال ...
وقوله:«من قبلها» أي من قبل الخليقة، أضمر لغير مذكور، والعرب تفعل ذلك توسعاً واختصاراً وثقة بفهم السامع، وقد جاء منه في القرآن والشعر ما لا يحصى كثرة، كقوله تعالى: {كل من عليها فان (٢٦)} [الرحمن: ٢٦]، وقوله:{ما ترك على ظهرها من دابة}[فاطر: ٤٥]، أضمر «الأرض» في الآيتين، وقوله: {فلولا إذا بلغت الحلقوم (٨٣)} [الواقعة: ٨٣]، وقوله: {كلا إذا بلغت التراقي (٢٦)} [القيامة: ٢٦]، أضمر «النفس والروح» في الآيتين، ومن ذلك إضمار «الخمر» في قول ابن المعتز: