للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربي: أبو الهلال العسكري، وأبو الحسن الآمدي، والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني، والشيخ عبد القاهر الجرجاني، ثم كان من صُنع الله لي وتوفيقه إياي أن تخلُص أيامي للتراث العربي في فنونه المختلفة: ناسخاً للمخطوطات ومفهرساً لها ومحققاً لنصوصها، ثم كان من فضل الله وإنعامه علي أيضاً أن أتصل بأعلام التراث وناشريه: محمود محمد شاكر وعبد السلام هارون والسيد أحمد صفر ومحمد أبو الفضل إبراهيم وحسن كامل الصيرفي، وهؤلاء جميعا فتحوا لي أبواباً من النظر، ودلوني على فوائد من الكتب، ما كنت لأقف عليها وحدي. وهذه ثمار مجالسة أهل العلم والرواية عنهم، وهذا مما حُرم منه شباب هذه الأيام.

ولقد كان من وصاة شيخنا محمود محمد شاكر -عليه رحمة الله - أن نقرأ الكتب كاملة، وإلاَّ نتعامل معها تعامل المراجع والمصادر، نأخذ حاجتنا ونمضي، كالطائر العجل يَحْسُو من الماء حُسوة ثم ينطلق في فضاء الله.

وكان من وصاته لنا أيضاً أن نقرا كتب الأدب التي تعنى باللغة والنحو مثل: كتاب الكامل للمبرِّد، وأمالي أبي علي القالي، وشرح الحماسة للمرزوقي، ولكنه - رحمه الله - لم يكن يتحمس للجاحظ كثيراً، مع إجلاله له وحفاوته به، لأنه يرى أن الجاحظ يستطيل على الناس بذكائه، ويخدعهم بتصرفه في القول والبيان، ولعل الذي زهّد شيخنا في الجاحظ هو ميوله الاعتزالية، والشيخ كما هو معروف من أهل السنة والأثر، ولكني خالفت الشيخ رأيه في الجاحظ، ولعل هذه هي المرة الأولى التي أخالف فيها عن أمره، ألم أنشدك من قبل:

يُديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم

[أسس حضارة فتية]

وُلد الجاحظ عام ١٦٠ هـ بالبصرة، وتوفي بها عام ٢٥٥ هـ، فهذه خمسة وتسعون عاماً ملأها الجاحظ بالقراءة والنظر والتأليف، ولم يُشغل عن ذلك كله بزوجة ولا ولد، وقد ساعدته على ذلك نفس طلعة، راغبة في المزيد، لا تقنع بما

<<  <  ج: ص:  >  >>