للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرب على الرغم من تأخر عصره يحوي أخباراً خطيرة عن صقلية، نقلها عن مؤرخين قدماء لم تصل إلينا كتبهم، مثل ابن الرقيق وابن رشيق وابن شداد وغيرهم".

فما ينبغي أن تكون بعض مظاهر الضعف في الشعر والكتابة الأدبية في العصر المملوكي، صارفة الأنظار عن مظاهر الحضارة العربية في ذلك العصر، فلنكف إذن عن ثَلْب هذا العصر وتجريحه. ومرة أخرى: لولا ابن منظور وابن هشام وأشباههما من الحَفَظة لضاع الإِرث والورثة، ولم يجد الأستاذ حجازي عربية يقيم بها لسانه، وينسج بها شعره.

وليعلم الشاعر الكبير أن مكانته العالية التي اقتعدها في دنيا الشعر في زماننا هذا ليست مؤهلة له لأن يذهب هذه المذاهب في دنيا اللغة والنحو، فاللغة بحر لا ساحل له، والنحو صعب وطويل سُلَّمه، ولست آمن إذا ظل الشاعر الكبير ماضياً في هذا الطريق: طريق الجرأة على اللغة والنحو، لست آمن أن يقوم له أحد المعيدين الصغار الذين تخصصوا في هذين العلمين، فيقعد له كل مرصد، ويأتيه من كل مكان، حتى ينفض كلامه عُروة عُروة، "وأول راض سنة من يسيرها" كما يقول خالد بن زهير الهذلي.

[هجوم وازدراء]

على أن هذا الذي ذكره الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي عن النحو العربي إنما هو نفخٌ في نار خامدة، شبَت في العقود الأخيرة من هذا القرن ثم طَفِئَت، ثم شبت ثم طفئت ... وهكذا، على نحو ما قال ربنا سبحانه: {كلما خبت زدناهم سعيرا} [الإِسراء: ٩٧].

وإذا كانت ثقافة هذه الأمة العربية كلها قد تعرضت للتنقص والتجريح، كقولهم في تفسير القرآن إن به إسرائيليات، وقولهم في الحديث إن به وضعاً وضعفاً، وإن في الشعر انتحالاً، وفي الأدب ذاتية، وفي البلاغة تكلفاً وزخارف وأصباغاً ... إلى آخر هذا الكلام المعاد المموج، فإن النحو العربي قد ذهب بالهجوم كله وبالازدراء كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>