القرآن كلام الله، تنزيل من حكيم حميد، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، وقد أمر عليه السلام بتلاوته على أمته، وأمرت أمته بتلاوته وتدبر آياته والعمل بها، وقد أثنى ربنا عز وجل على عباده التالين له، فقال تقدست أسماؤه: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور (٢٩) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (٣٠)} [فاطر].
ويأتي رمضان كل عام مذكراً بهذا النور المبين، فقد نزل القرآن الكريم في ليلة مباركة منه. والمسلم وإن كان مأموراً بقراءة القرآن في كل وقت وحين، فإنه يجد لذة وأنساً حين يقرؤه في رمضان لا يجدهما في وقت آخر، ونعم إن القرآن يطيب به الفم ويزكو به العمل في كل آن، ولكن الله يجعل لبعض الأيام ولبعض المواضع خصوصية ليست لغيرهما، وقد روي عن محمد بن مسلمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها»، مجمع الزوائد اللهيثمي ١٠/ ٢٣١.
ولقد حفظت القرآن صغيراً، واشتغلت بعلومه كبيراً، وقرأته على فحول شيوخه واستمعته من كبار مقرئيه، ولا زلت مغموراً بنوره وضيائه، فهو معي في مغداي ومراحي، وفي حلي وترحالي، والحمد لله، ولكن حلاوته تعظم في فمي، ونغمه يعذب في سمعي حين أقرؤه في رمضان، وفي الحرمين الشريفين، وكم كان