وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل، وقال الحسن البصري: والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيما أنزلت وما يعنى بها، وقال عكرمة في قوله عز وجل:{ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله}[النساء: ١٠٠]، يقول عكرمة: طلبت اسم هذا الرجل الذي خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، أربع عشرة سنة حتى وجدته. وقال ابن عبد البر: هو ضمرة بن حبيب. وقال إياس بن معاوية: مثل الذين يقرأون وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلاً وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرأوا ما في الكتاب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة". انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية ١/ ٢٦.
[فقه التفسير]
وقد أوحى الله إلى نبيه المصطفى، القرآن ومعانيه، فكان عليه السلام يفهم القرآن جملة وتفصيلاً، ليبينه للناس، قال تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}[النحل: ٤٤]، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفهمون القرآن كذلك، لأنه نزل بلغتهم، وما خفي عليهم منه كشفه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم مع ذلك كانوا يتفاوتون في الفهم، وذلك رزق الله المقسَّم على خلقه، قال ابن قتيبة: إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إنَّ بعضها يفضل بعضاً، ولذلك فقد اشتهر بعض الصحابة بفقه التفسير، كان من أبرزهم عبد الله بن عباس؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له فقال:"اللهم علّمه التأويل وفقهه فى الدين"، والتأويل: هو التفسير، انظر معناه وتخريجه في: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص ٩٩.
وللتفسير أدوات وشروط، ينبغي على من يتصدى له جمعها والتزامها، يقول الزركشي: "التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو