والنحوي أمام هؤلاء الشباب، ويحدثنا بعض الطلبة أن أستاذاً يخصص نصف المحاضرة لعرض القاعدة النحوية، ثم يصرف النصف الآخر لنقدها ونقضها، وبعضهم يبدأ حديثه عن المعاجم العربية بذكر عيوب المعجم العربي، من تكرار المادة وتشويشها وتضارب النقول فيها، ثم يأتي حديثه عن مناهج هذه المعاجم ومدارسها وطريقة التعامل معها، خافتاً ضعيفاً في آخر الكلام.
[الحاجة الملحة للمعلم]
لقد تحول كثير من الأساتذة الآن إلى منظرين وفلاسفة، وبعضهم يستخدم مضطلحات وتراكيب لامعة براقة، تأسر الطالب أسراً، وتجعله دائم التطلع إليها والتشبث بها، يريد أن يحاكيها، وقد يصده ذلك عن التماس العلم الحقيقي.
إن الطالب في حاجة إلى مرب ومعلم، لا إلى منظر وفيلسوف، فكل ما يلقى على الطلبة في هذه المرحلة الجامعية الأولى، وكل ما يكتب لهم ينبغي أن يقوم على أساس ثابت من أصول العلم وحقائقه، وما فوق ذلك من نقد وتحليل وتتبع ينبغي أن يؤجل إلى مرحلة الدراسات العليا، كما قلت، فمناهج تدريس النحو والصرف واللغة والبلاغة والأدب يجب أن تدور في فلك القاعدة والشاهد، ولا بأس من الإلمام بشيء من النقد التحليل، يشرف ولا يتوغل، ويحوم ولا يواقع؛ لأنه لا يصح بحال أن نكشف لصغار الطلبة في هذه المرحلة الجامعية الأولى، عن أبواب النقد هذه، وأن ندلهم عليها، فإن مداركهم تقصر عن إدراك تلك المرامي البعيدة، فضلاً عما يحدثه ذلك في نفوسهم من زلزلة وبلبلة قد تزهدهم في العلم كله.
وقد نبه أهل العلم إلى ذلك من قديم، فقد ذكر أبو داد في رسالته إلى أهل مكة «أنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا»، قال الجاحظ ابن رجب الحنبيل:«وهذا كما قال أبو داود؛ فإن العامة تقصر أفهامهم عن مثل ذلك، وربما ساء ظنهم بالحديث جملة إذا سمعوا ذلك» شرح علل الترمذي ص ٥٤٣، وروى أبو سعد السمعاني بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «إن الرجل