الجامعية لبعض الأساتذة الذين أباحوا لأنفسهم أن يبتعدوا قليلاً أو كثيراً عما كان مستقرًا وثابتاً في أصول المنهج ومفرداته التي درجت عليها الأجيال، بل إن بعض مفردات هذه المناهج قد اختفت فعلًا لتحل محلها بحوث الأساتذة التي حصلوا بها على شهاداتهم العليا (الماجستير والدكتوراه)، ثم ما قدموه من بحوث للترقيات العلمية، وبعض ذلك يقدم بعنوناته الأصلية، وبعضه يغير ويوضع تحت مسميات جديدة، ويقدم كل ذلك للطالب ويطلب منه تحصيله وفهمه وأداء الامتحان فيه.
لقد أصبح محتوى المقرر الدراسي خاضعاً لمشيئة المدرس ومزاجه، وفضلًا عن وعورة هذا المسك وجهد المشقة فيه، فإن الطالب لن يعود منه بشيء ذي بال، في هذه المرحلة من العمر، ولن يفيده في معرفة أصول العلم وقواعده، وخذ مثلًا على النحو، وهو علم التراكيب الذي لا غنى عنه لطالب العربية في أي فرع من فروعها، هذا العلم يقوم على التعريفات والقواعد والشواهد - وقد قيل بحق: النحو شاهد ومثل - فكل جهد يبذل فيه في السنوات الجامعية الأربع ينبغي أن يدور حول هذه الأركان الثلاثة، لا يتجاوزها ولا يتعداها إلى غيرها من النظر في أصول النحو، من قياس وسماع وعلة، بل يؤجل ذلك كله إلى ما بعد المرحلة الجامعية الأولى لمن أراد أن يتم الطريق، ولكن الأمر قد جرى على غير هذا - وبخاصة في العقدين الأخيرين - وليت الأمر قد وقف عند هذا الحد، فإن بعض زملائنا يفتح على الطلبة أبواباً من النظر في فلسفة النحو تضرهم ولا تنفعهم؛ لأنها تورثهم الشك والحيرة.
جاءني يوماً أحد الطلبة يسألني: يا دكتور، ما الفرق بين الموقع الإعرابي والحالة الإعرابية؟ فقلت له: من أنبأك هذا؟ قال: الدكتور الفلاني في الكتاب الفلاني، فقلت له: يا بني، هذا الدكتور رجل من أهل العلم، وكلامه هذا للكبار من أهل العلم، أما أنت فلا زلت في أول الطريق، وقد جئت إلى هذه الكلية تدرس فيما تدرس علم النحو، لكي تقرأ قراءة صحيحة وتكتب كتابة صحيحة، فاشتغل بذلك ودع ما سواه.
ومن أخطر الأمور أيضاً ما يقوم به بعض زملائنا من نقد للفكر اللغوي