للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودال عليه ومكمِّل له، والشيخ - حرس الله مهجته - يسير في طريق الفحول، لا تَخْرِم مِشْيَتُهُ مِشْيَةَ واحد من الصدر الأول.

وقبل أن أستطرد إلى ذكر أمثلة من منهج أبي فهر في تحقيق التراث؛ أحب أن أضع أمامك أيها القارئ الكريم مثالاً واحداً على دوران قضايا التراث في عقل هذا الرجل، وأنها شغله الشاغل وهمه الناصب.

[أصل في علم البلاغة]

اخرج أبو فهر كتاب الشيخ عبد القاهر الجرجاني "دلائل الإِعجاز" عام ١٤٠٤ هـ- ١٩٨٤ م، وكانت طبعته الأولى عام ١٣٢١ هـ= ١٩٠٣ م، وقد أخرجها الشيخ محمد رشيد رضا. وهذا الكتاب يعد أصلاً في علم البلاغة وإعجاز القرآن، وكان مما عالجه الشيخ عبد القاهر فيه الرد على من يقولون: "إن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلمات، ولكن تظهر بالضم على طريقة مخصوصة"، وقد عرَّض الشيخ عبد القاهر بأصحاب هذه المقالة في مواضع كثيرة من كتابه، كان منها قوله: "واعلم أن القول الفاسد والرأي المدخول إذا كان صدره "أي صدوره" عن قوم لهم نباهة وصيت وعلو منزلة في أنواع من العلوم غير العلم الذين قالوا ذلك القول فيه، ثم وقع في الألسن، فتداولته ونشرته، وفشا وظهر، وكثر الناقلون له، والمشيدون بذكره، صار ترك النظر فيه سنة والتقليد ديناً"، الإِعجاز ٤٦٤، ٤٦٦، وانظر مقدمة التحقيق.

ويسأل الشيخ أبو فهر: من يكون هؤلاء القوم الذين لهم نباهة وصيت ... إلى سائر ما وصفهم به الشيخ عبد القاهر؟ يقول أبو فهر: وفتَّشت ونقبت، فلم أظفر بجواب أطمئن إليه، وتناسيت الأمر كله إلا قليلاً، نحواً من ثلاثين سنة، حتى كانت سنة ١٣٨١ هـ= ١٩٦١ م وطبع كتاب "المغني" للقاضي عبد الجبار الفقيه الشافعي المعتزلي، في تلك السنة صدر الجزء السادس عشر من كتاب "المغني"، فإذا هو يتضمن فصولاً طويلة في الكلام على "ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي إعجاز القرآن وسائر المعجزات الظاهرة عليه صلى الله عليه وسلم". فلما قرأته ارتفع كل شك وسقط النقاب عن كل مستتر، وإذا التعريض الذي ذكره عبد القاهر حين قال: "واعلم أن القول الفاسد

<<  <  ج: ص:  >  >>