للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٢ -

ويداول الله الأيام بين الناس، فتتهاوى عروش، وتسقط دول، وتتطاول أمم تريد أن تنقض كيداً ومكراً، وتتعرض الأمة الإسلامية مشرقاً ومغرباً لخطوب وفتن كقطع الليل المظلم تسعى لتغتالها اغتيالًا.

وفي غمار تلك الأحداث التي صكت المسامع وخلعت القلوب لم تذهل هذه الأمة عن تراثها الذي شرفت به، ولم ترض أن تسلم حتى يسلم معها، كالأم تحضن طفلها وسط الحريق المدمر، لا يهمها أن تنجو حتى تنجو به.

ولقد كان من صنع الله ولطفه أن هذه الغزوة التترية الكاسحة على المشرق العربي منتصف القرن السابع، لم تمد شواظها إلى بلاد المغرب، فظلت خزائنها عامرة بالكتب، ومجالسها مأنوسة بالعلم والعلماء.

وتتمادى الأيام ولا يفتر حماس المغاربة لجمع المخطوطات وتعهدها بالصيانة والرعاية، ثم تتطور وظيفة الزوايا المغربية، من مكان معد للعبادة وإيواء الواردين المحتاجين، إلى دور تجمع العلماء والكتب، وتدعو إلى الجهاد ومقاومة الأجنبي.

وفي القرن الثامن تكاثرت الزوايا وانتشرت فيما بين المغرب ومصر، إيناساً وعوناً لحجاج بيت الله الحرام ليأووا إليها في مراحل سفرهم الطويل، وقد نمت حول هذه الزوايا مدارس استقر فيها طلبة العلم، الأمر الذي حدا بملوك بني مرين أن يشيدوا كذلك مدارس بجانب المراكز التعليمية الكبرى خصوصاً جامع القرويين بفاس (١).

ومن أشهر الزوايا في المغرب: الزاوية الدلائية والناصرية والحمزاوية، وتضم هذه الزاوية الأخيرة مجموعة من نوادر المخطوطات، كتب عنها وعرَّف بها الأستاذ العلامة محمد المنوني، في العدد الثامن من مجلة تطوان. ومن أنفس مخطوطات


(١) الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي, للأستاذ محمد حجي, صفحة ٢٥, طبعة الرباط.

<<  <  ج: ص:  >  >>