وهذا الذي أقدمت عليه دار المعارف، في نظري عمل غير صالح؛ لأن فيه جرأة على أعمال السابقين، وقد قال أصحاب دار صادر في نشرتهم للسان:«وأشير علينا أن نغير ترتيب «اللسان»، ولكنا آثرنا أن يبقى على حاله حفظاً للأثر من أن يُغَيَّر» وهذا هو الحق والصواب، فإن ابن منظور - ومن قبله الجوهري - قد رتّب معجمه على اعتبار آخر الكلمة وأولها بعد تجريدها من الزوائد، لأسباب اقتضت ذلك، ومن أهم هذه الأسباب أن آخر الكلمة ثابت تصريفاً واشتقاقاً، وإنما تطرأ الزيادة والتغيير على الأول والحشو (الوسط). وإعادة ترتيب المادة المعجمية على الأول والثاني ينقض ذلك فضلًا عما يحدثه من تعريض منهج المؤلف للاضطراب، من حيث اختلال الإحالات والإرشادات تقديماً وتأخيراً، فالمؤلف يقول وفق منهجه: تقدم ذلك، أو: سيأتي، ولا يستقيم هذا على المنهج المقلوب، فقد يكون المقدم آتياً، والآتي مقدماً.
ويرتبط بتلك الدعوة دعوة أخرى خطيرة، وهي ترتيب المادة اللغوية داخل المعجم على ظاهر اللفظ، دون رعاية للتجريد والزيادة. وفي هذا إضاعة لعلم كبير من علومنا، هو علم الصرف والاشتقاق. ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن بعض علمائنا الأقدمين قد ذكر في معجمه بعض الألفاظ على ظاهر لفظها لشيوع الكلمة بشكلها هذا، لكنه كان ينبه في كل مرة إلى أن أصل الكلمة هو كذا.
ومن هؤلاء العلماء ابن الأثير المتوفى سنة ٦٠٦ هـ في معجمه:«النهاية في غريب الحديث والأثر»، وهو من المعاجم المتخصصة التي رتبت المادة على الأول والثاني والثالث، فقد ذكر في باب الحاء والدال والهاء حديث:«فجعلتهُ في قبر على حدة» ثم قال: «أصلها من الواو، فحذفت من أولها وعوّض منها الهاء في آخرها، كعدة وزنة من الوعد والوزن، وإنما ذكرناها هنا لأجل لفظها».
لكننا إذا رتبنا معاجمنا كلها على هذا المنهج، ونبها في كل مرة على الأصل الاشتقاقي تضخمت تلك المعاجم جداً فيما لا غناء فيه ولا طائل تحته.