أما ما يقال عن التيسير والتسهيل فهو كلام من يظن أن أبناء العربية كلهم صاروا تلاميذ في مرحلة التعليم الثانوي أو ما هو دونه، وأننا قد تحولنا جميعاً إلى طبقة من العوام لا تقوى على المناهج الموروثة، ولا تطول يدها الكتب الكبار، واللهم لا! ولا ينبغي أن يكون التيسير والتسهيل سبيلًا إلى طمس المعالم وهدم الحدود.
ومن وراء ذلك كله فإن السالك هذا السبيل لا يأمن العثرة بعد العثرة، والزلة إثر الزلة، وما أريد أن أطيل بذكر الأمثلة والشواهد، لكنني أشير هنا إلى عملين تراثيين سلكا هذا المسلك، وما كان ينبغي لهما ذلك، أولهما: كتاب «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» لأبي عبيد البكري الأندلسي المتوفى ٤٨٧ هـ، وقد نشره الأستاذ مصطفى السقا رحمه الله سنة ١٩٤٥ م. والكتاب في أصل وضعه مرتب على الأبجدية المغربية التي تخالف الأبجدية المشرقية في ترتيب الحروف، وحين نشره الأستاذ السقا أعاد ترتيبه على أبجديتنا المشرقية المعروفة، وقد أدى هذا إلى اختلال في إحالات المؤلف تقديماً وتأخيراً. قد تربك القارئ الذي لم يقرأ مقدمة الأستاذ المحقق. ثم إنه رحمه الله قد تصرف في الكتاب تصرفاً آخر أشار إليه في مقدمته.
ومن العجيب حقاً أن الناشر الأول للكتاب، هو المستشرق الألماني «وستنفلد» حافظ على ترتيب المؤلف للكتاب، وذلك في نشرته التي صدرت بجوتنجن بألمانيا سنة ١٨٧٦ م، ثم أضاف إليه فهرسة على ترتيب أهل المشرق للحروف، فأحسن كل الإحسان.
والمثال الثاني: كتاب «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» - الصحابة رضي الله عنهم - لابن عبد البر القرطبي المتوفى ٤٦٣ هـ، . وقد رتب كتابه هذا أيضاً على ترتيب الحروف عند المغاربة، فجاء ناشره الأستاذ علي محمد البجاوي رحمه الله، وقلب هذا الترتيب ورده إلى الترتيب المشرقي، وقد أدى ذلك إلى سقوط بعض التراجم التي استدركها الناشر في آخر طبعته.
فالحق والصواب أن تترك الكتب كما وضعها مؤلفوها، ثم يلجأ إلى الفهارس