ذهب الشعراء المكثرون بالذيوع والشهرة في مجال قراءة الشعر ودرسه، وبقي على ساحة القريض طائفة كبيرة من الشعراء الذين عرفوا بالشعراء المقلَّين، وقد قال هؤلاء من الشعر أحلاه، وصاغوا من النغم أعذبه، وتوزعت أغاريدهم وأنغامهم في المجاميع الأدبية والأمالي والمجالس، وكتب التاريخ والتراجم والبلدان، وموسوعات العلوم، كالتفسير والنحو واللغة والبلاغة.
ولن يستقيم درس الشعر العربي وتبرز صورته واضحة الملامح بيَّنة القسمات إلاَّ إذا جمع شعر هؤلاء الشعراء المقلَّين، وأوتي حظه من البحث والتأمل.
وقد نشط إخواننا أدباء العراق هذه الأيام لجمع هذا الشعر وإذاعته في دواوين صغيرة، وعلى الرغم مما شاب عملهم من بعض العجلة والقصور في تخريج الشعر وتوثيقه، فإنه جهد طيب خليق بكل الاحتفال والمؤازرة والاقتداء.
وليت أساتذة الجامعات العربية يغرون تلاميذهم في الدراسات العليا بجمع هذا الشعر ودرسه، وليتجه هذا الجمع إلى البلدان في عصورها المختلفة، فيقال مثلًا:«شعراء مصر في القرن الرابع الهجري»، وهكذا في سائر البلدان العربية على امتداء العصور، ومن أعجب العجب أن ما كتبه أسلافنا لإقامة مثل هذه الدراسات كبير وفير، ولكنه يخفى على كثير ممن يتعاطون الأدب والشعر هذه الأيام، كأنه كتب بلغة غير لغتنا لأمة سوى أمتنا:
فدع عنك نهباً صِيح في حَجَراته ... ولكنْ حديثاً ما حديث الرواحلِ
وأقول: إن بعض هؤلاء الشعراء المقلين عرف بقصيدة واحدة تناقلها الرواة