قلت: وهكذا ترى أيها القارئ الكريم أن كتب التراث يصدق بعضها بعضاً، ثم تأمل بعد ذلك كيف وقعت هذه الكلمة للشيخ الشعراوي، واستقرت في محفوظة، ثم ظهرت على لسانه.
[أنوار اليقين]
وبهذه المعرفة الواسعة باللغة واستحضار الشعر، وتمثل فروع الثقافة العربية الإِسلامية كلها، ثم ما يفيضه الله على الشيخ من أنوار اليقين وتجليات الكشف، صار للشيخ الشعراوي عند الناس مكان ومكانة، وأصبح للذي يلقيه على الناس قوة لا يشوبها ضعف، وإقناع لا يعتريه شك، وهكذا شأن الرؤوس والمتبوعين، يثق الناس بما يتلقونه منهم، ويُلقون إليهم المقادة راضين مطمئنين، لا يراجعونهم رأياً، ولا يخالفون عن أمرهم، لكن هذا طريق مخوف، والعاقبة فيه وخيمة، فقد يكون بعض هذا الذي يأتي به الكبار المتبوعون معدولاً به عن وجهه، مصروفاً إلى غير حقيقته.
وكنت قد راجعت الشيخ الشعراوي في بعض تفسيراته وشروحه، في مقالة الهلال التي أشرت إليها، لكني أعود إليه اليوم في أمر جلل وقضية خطيرة، وإنما هولت وعظمت لأن الأمر يتصل بالقرآن الكريم وقراءاته، والخطأ في ذلك أو الجرأة فيه مما يوقع في الهلكة ويورث الشك والضلال.
وبيان ذلك أن الشيخ رحمه الله عرض في بعض الحلقات التي سمعتها قبل وفاته لقضية القراءات القرآنية، وانتهى إلى أن سبب الاختلاف فيها هو أن "المصحف الشريف "في أول كتابته لم يكن منقوطاً، يعني "أشكال حروف مجردة"، فكان العربي المسلم يقرأ وينطق بملكة اللغة المتوارثة - هكذا قال بالحرف - ويعني السليقة، ودلل على ذلك ببعض الأمثلة، منها قوله تعالى:{صبغة الله}[البقرة: ١٣٨]، وقوله تعالى:{قال عذابى أصيب به ما أشاء}[الأعراف: ١٥٦]، وقوله تعالى:{وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعاً منه}[الجاثية: ١٣]، وقال عن الآية الأولى إنها قرئت قراءتين "صبغة" بالصاد المهملة بعدها باء موحدة ثم غين معجمة،