ارتبطت ضخامة التراث الإسلامي العربي وعظمته بسمة تميز بها الإسلام، وهي أنه احتوى كثيراً من الأمم ذات الحضارات، والتي بعد أن دخلت في دين الله أفواجاً ونسيت ما كان يبعد آباؤها من قبل هجرت لسانها القديم، واتخذت اللسان العربي أداة فكر وبيان.
ولم يبق فرق بين هذه الأمم والأمة العربية إلا فرق اللون والدم، وهو فرق ساقط مهدر في موازين الإسلام.
ثم إن الحضارة الإسلامية فوق أنها أبدعت وأنتجت في شتى ضروب العلم والمعرفة- كانت حلقة اتصال بين تراث اليونان وبين اللاتينية الحديثة، مما يشهد بفضل تراثنا وحضارتنا على النهضة الأوربية الحديثة.
والمتابع لحركة الإبداع الإسلامية يجد أنها لم تخمد جذوتها، ولم تسكن حركتها بتغير الحكام أو تبدل الأيام أو تعاقب النوائب. ومن أول ما يشهد لذلك احتواء قرني الغزو الصليبي والتتري للعالم الإسلامي نخبة عريضة من كبار العلماء والمفكرين، مع أن الهجوم الكاسح كان كفيلاً بالقضاء على هذه الأمة لولا دفع الله وصيانته لها بما أودعه في روح العقيدة الإسلامية من عوامل النماء والبقاء والازدهار.
كما أن غيا حاضرة من حواضر الإسلام عن الساحة الفكرية كان داعياً لقيام حاضرة أخرى تملأ الفراغ وتدعيم المسيرة.