والأصول في كل علم، ولم يغلبوا جانباً على جانب، شان دور النشر التجارية التي تتحسس حاجة السوق وتلبي رغبات عاجلة لخدمة بعض الاتجاهات.
فهم قد نظروا إلى التراث نظرة شمولية كلية، فنشرت مطبعة بولاق: منهاج السُّنَّة النبوية لشيخ الإِسلام ابن تيمية، ثم طبعت الفتوحات المكية لابن عربي، ويا بُعد ما بينهما، وطبعت من تراجم المشارقة وَفَيات الأعيان لابن خلكان، ومن تراجم المغاربة نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقَّري، وطبعت تفسير الطبري والفخر الرازي وصحيح البخاري وشرحه لابن حجر وللقسطلاني، ثم طبعت ألف ليلة وليلة، طبعتين.
رابعاً: تزامن نشاط مطبعة بولاق مع الدعوة إلى العامية التي تولى أمرها تفر من الأجانب الذين حلوا بمصر، وقد جاهد هؤلاء في الترويج لدعوتهم الخبيثة جهاداً لاهثاً، وقد صانعهم وظاهرهم قوم أغبياء من أهل جلدتنا.
ومما لا شك فيه أن طبعات بولاق من أصول التراث العربي في ذلك الوقت كانت خير وسيلة للوقوف في وجه تلك الأفكار، ثم إنها من وراء ذلك قد غذت عقول أرباب العلم وأهل الأدب، حين وضعت أمامهم زاداً شهيّاً من علوم الأوائل وآدابها، أعانهم على ما هم بسبيله من الإِبداع والإِحسان، فكانت البعث والتنوير الذي حمل لواءه رفاعة الطهطاوي ومحمود سامي البارودي، والشيخ حسين المرصفي، ومن سار في طريقهم.
خامساً: أقدمت مطبعة بولاق في ذلك الزمان المبكر على طبع الموسوعات الضخمة، مثل لسان العرب (٢٠) جزءاً، والأغاني (٢٠) أيضاً، وتفسير الطبري (٣٠) جزءاً.
سادساً: حرصت مطبعة بولاق في كثير من منشوراتها على طبع كتاب أو أكثر بهامش الكتاب الأصلي. وهذه الظاهرة دالة بوضوح على أن القوم كانوا في سباق لنشر العلم والمعرفة.