في الساعة الخامسة من عصر يوم الخميس ٣ من ربيع الآخر ١٤١٨ هـ - ٧ من أغسطس ١٩٩٧ م دُعي محمود شاكر فأجاب، وبعد نصف ساعة من انتقاله للرفيق الأعلى كنت على رأسه ألقنه الشهادتين، ثم دارت بي الأرض وأنا أنظر إلى هذا الجسد الساكن وقد صرعه الموت، وهو الذي غالب المحن وصارع الشدائد، فلم تلن له قناة، ولم يخفت له صوت، ولم يرتعش في يده قلم، حتى جاءه القاهر الذي لا يُغلب. ثم نظرت إليه أخرى وقلت: أي صوت مجلجل سكت، وأيُّ شلال هادر توقف، وأي نبع عذب غاض، وأي نبت مزهر صوَّح، وأي ركن جليل ساخ، وأي فارس فاتك ترجَّل؟
ثم تذكرت أبيات مطيع بن إياس، يرثي يحيى بن زياد الحارثي:
وينادونه وقد صمَّ عنهم ... ثم قالوا وللنساء نحيبُ
ما الذي غال أن تحير جوابا ... أيها المصقع الخطيب الأديبُ
فلعن كنت لا تحير جواباً ... فبما قد ترى وأنت خطيبُ
في مقال وما وعظت بشيء ... مثل وعظ بالصمت إذ لا تجيبُ
وحين جاء الرجال لينقلوه إلى حيث يشيَّع، وتناولوه من جانبيه لان لهم وانقاد، وهو الذي كان عصيّاً أبياً، ثم تذكرت كلمة معاوية وهو في النزع يُحتضر، يقول لابنيه وهما يقلبانه:"إنكما لتقلبان قُلَّبا حُوّلاً". والقُلَّب: الرجل العارف