فابن منظور لم يقف عند هذه الكتب الخمسة وحدها، فقد استطرد إلى ذكر فوائد من قراءاته وسماعاته، وحكى عن معاصريه من العلماء، ونقل نقد العلماء لما بين يديه من موادز
هذا وقد ضمّ «اللسان» قدراً هائلاً من المواد اللغوية، ممزوجة بمعارف أخرى استمدها من مراجعة الخمسة المذكرة بمناهجها واهتماماتها المختلفة: فقد أخذ من تهذيب الأزهري هذا القدر الضخم من الأبنية والمترادفات والمشترك اللفظي، وشاهد القرآن الكريم والحديث الشريف، وأشعار العرب وأقوالها وأمثالها، إلى جانب ذلك الاهتمام المبكَّر بالناحية البلدانية الجغرافية التي استوعب بها الأزهري التعريف بكثير من بلدان ومواضع ومياه الجزيرة العربية، مما كان أساساً للجغرافيين العرب من بعد، مثل أبي عبيد البكري في «معجم ما استعجم»، وياقوت في «معجم البلدان»، وللغويين الذين اهتموا بالمواضع والبلدان، من أمثال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط»، والزبيدي في «تاج العروس».
ثم أخذ عن الجوهري وابن سيده ما ضمناه معجميهما من التوجيهات النحوية والصرفية وقضايا الاشتقاق.
ومن ابن بري أخذ عنايته الفائقة بتصحيح الشواهد الشعرية وتحريرها ونسبتها. ومن ابن الأثير شرحه لغريب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
[الأدب سبيل المعرفة]
أخذ ابن منظور هذا كله، وأضاف إليه قراءاته ومسموعاته، وأحسن جمعه وترتيبته، وأجاد عرضه، وأعانه على ذلك اشتغاله بالأدب. وقد كان الأدب ولا يزال خير سبيل لإيصال المعرفة، وسرعة انصبابها إلى السمع، واستيلائها على النفس، والبليغ يضع لسانه حيث أراد، ويمهّد لنفسه طريقاً إلى كل قلب، وإنك لتجد كثيراً من الدراسات قد جمعت فأوعت، لكنها لم تبلغ مبلغها من النفع والفائدة لجفافها وعُسْرها وتجافيها عن الأدب.