للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك أصبح «لسان العرب» كتاب العربية، يجد فيه طالبه كل ما يريد، وأصبحت قراءته متعة تطلب لذاتها، إذ سلم من جفاف المعاجم التي تقف عند حدود الدلالة وشرح اللفظ المفرد أو التركيب المعزول عن سياقه، وكم عرفنا من أدباء وعلماء يديمون قراءة «اللسان» كما يقرأ أحدهم كتاباً للشافعي أو الجاحظ أو أبي حيان.

وقد أخبرني شيخي محمود محمد شاكر - حفظه الله - أنه قرأ «لسان العرب» كله وهو تلميذ بالثانوي، ثم أخبرني أيضاً أن أمير الشعراء أحمد شوقي قرأ «اللسان» كله. قلت: ولعل هذا يفسر لنا «معجم شوقي الشعري» - والنثري أيضاً في أسواق الذهب - هذا المعجم الذي يدهشنا بهذه الألفاظ والتراكيب الضاربة في الفصاحة بعروقها.

وما أحرانا أن ن دفع أبناءنا في كليات الدراسات العربية والإسلامية، إلى قراءة المعاجم، وكثرة التفتيش فيها والصبر عليها، بدلًا من وقوفنا بهم عند حدود تلك الدراسات النظرية، التي تتناول نشأة المعجم ومدارسها، ثم تنتقل إلى ذكر عيوب المعجم العربي. ولئن سلّمنا ببعض هذه العيوب فإنها مما لا ينبغي أن تعرض على طال بالعلم في مراحله الأولى، بل يؤجل ذلك وأشباهه إلى مراحل الدراسات العليا، لأنه لا يصح بحال أن نكشف لصغار الطلبة - وهم في هذه المرحلة الجامعية الأولى - عن أبواب النقد هذه، وأن ندلهم عليها، فإن مداركهم تقصر عن إدراك تلك المرامي البعيدة، فضلًا عما يحدثه ذلك في نفوسهم من زلزلة وبلبلة قد تزهدهم في العلم كله.

ومن آدابنا في ذلك ما ذكره أبو داود في رسالته إلى أهل مكة، قال: «إنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث: لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا»، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: «وهذا كما قال أبو داود، فإن العامة تقصر أفهامهم عن مثل ذلك، وربما ساء ظنهم بالحديث جملة إذا سمعوا ذلك» - شرح علل الترمذي ص ٥٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>