للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعاً: إن الخدمة الحقيقية لتاريخنا إنما تكون بجمع مخطوطاته التي لم تنشر، ثم تحقيقها وتحقيق ما نشر من قبل غير محقق، وفق الأصول العلمية الصحيحة، ثم فهرسته الفهرسة العلمية الفنية، التي تضم النظير إلى النظير، وتقرن الشبيه إلى الشبيه، وستكون هذه الفهارس الفنية الكاشفة عدة وعوناً للدراسات والبحوث التي لا تقوم إلا على النص الموثق المحرر.

أما ما يقال عن غربلة التاريخ الإسلامي وتصفيته من الأخطاء والأوهام، وتخليصه من محاباة الحكام والملوك، وتنقيته من مظاهر الإسراف والمبالغات، ثم. ما يقال لك من أن ماضينا غارق في الظلمات، وأن تاريخ الدول يكتب في غير أوانه، كتاريخ الدولة الأموية الذي كتب في أيام الدولة العباسية: فكل أولئك من الكلام الذي يرسل إرسالًا؛ لتملأ به مجالس السمر، ويتخذ سبيلاً لادعاء العلم.

[الهجوم على التاريخ والمؤرخين]

لقد تعرض التاريخ الإسلامي والمؤرخون المسلمون لكثير من الحيف والعدوان، وكان أعجب ما قيل: «إن التاريخ صنع للحكام والملوك، ولم يرصد نبض الشعوب وأشواقها»، وبمثل هذه الألفاظ البراقة الخادعة يستميلون الشباب ويوقعونهم في قرار مظلم من الافتنان الكاذب والشك الموبق.

إن هذه القضية ينبغي أن تناقش على وجهها الصحيح، ويبدو أن كثيراً من كتابنا المعارضين قد خلطوا بين كتب التاريخ العام - أحداثاً وتراجم - وبين كتب المناقب. فكتب التاريخ العام إنما ترصد الحوادث والأحداث بصورة عامة وشاملة، ويدخل في نسيجها أخبار الخلفاء والملوك لا محالة، ويظهر لك هذا المنهج بوضوح في كتب التاريخ المرتبة على السنين «الحوليات»، وكذلك في كتب التراجم العامة، وتأمل مثلًا كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي، و «الوافي بالوفيات» للصفدي، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان، وسترى أن تراجم الخلفاء والوزراء إنما تأتي في ترتيبها الألف بائي ليس غير، بل إن بعض تراجم هؤلاء الخلفاء والوزراء تأتي أحيانًا خافتة وموجزة إذا قيست بترجمة عالم معاصر لهم، كالإمام أحمد بن حنبل مثلًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>