للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول أبو الحسن المسعودي: "وكتب الجاحظ - مع انحرافه المشهور - (يريد ما كان عليه من الاعتزال وعداوة الشيعة، وكان المسعودي شيعياً) تجلو صدأ الأذهان، وتكشف واضح البرهان، لأنه نظمها أحسن نظم، ورصفها أحسن رصف، وكساها من كلامه اجزل لفظ، وكان إذا تخوف ملل القارئ وسآمة السامع خرج من جد إلى هزل، ومن حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة"، مروج الذهب ٤/ ١٩٥.

ويبرز من بين مؤلفات الجاحظ كتابه "البيان والتبيين" معلماً ضخماً من معالم كتب العربية، وباباً واسعاً من أبواب الفكر العربي. ولهذا الكتاب في حياتي أثر ضخم، فهو الذي قادني إلى كتب الجاحظ الأخرى، فقرأتها كلمة كلمة، ولم أتعامل معها تعامل المراجع الخاطفة، ثم هو الذي جذبني إلى كتب العربية الأخرى، ومن قبل ذلك ومن بعده فهو الذي أذاقني حلاوة البيان العربي، وهو الذي هداني إلى هذه الأنغام الجليلة الفخمة المترقرقة من مختار الكلام: شعراً موزوناً معقوداً بقواف محكمة، ونثراً مصقولاً مسنوناً يتهادى بالحرف العربي مشرقاً وضيئاً متسقاً لينصبَّ في السمع، ويتولَّج في القلب، فيحدث تلك النشوة الغامرة، ويمتع بذلك الطرب المؤنس الودود.

[ترك الأستاذ على جهله]

والكتاب في وصف بعض الأقدمين يُصِّف ضمن علوم البلاغة بمعناها الواسع، لا بمعناها الذي حُصر فيما بعد بالمعاني والبيان والبديع. يقول أبو هلال العسكري: " وكان أكبرها وأشهرها - يعني كتب البلاغة - كتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وهو لعمري كثير الفوائد، جمّ المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة والفِقر اللطيفة، والخطب الرائعة والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبّه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة، وغير ذلك من فنونه المختارة ونعوته المستحسنة" الصناعتين ص ٥.

ويقول ابن رشيق القيرواني - وهو يُعرِّف علم البيان -: "وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ - وهو علامة وقته - الجهد، وصنع كتاباً لا يبلغ جودة وفضلاً،

<<  <  ج: ص:  >  >>