للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ما ادعى الإِحاطة بهذا الفن لكثرته، وأنه كلام الناس وأنفاسهم، لا يحيط به إلا الله عزَّ وجلّ"، العمدة ١/ ٤٤١.

ويقول المسعودي - وهو يعدد كتب الجاحظ -: "منها كتاب البيان والتبيين، وهو أشرفها، لأنه جمع فيه بين المنثور والمنظوم وغرر الأشعار ومستحسن الأخبار وبليغ الخطب، ما لو اقتصر عليه مقتصر لاكتفى به"، مروج الذهب ٤/ ١٩٦.

وقد وضعه ابن خلدون ضمن علوم الأدب بمعناه الواسع أيضاً، فقال قولته السائرة: "وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين، وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر - يعني الأمالي - لأبي علي القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها"، مقدمة ابن خلدون ص ٥٥٣.

والكتاب بذلك الوصف دائر على مباحث في البيان والبلاغة والخطابة والشعر والأسجاع، مع ما يصحب ذلك كله من عرضه لنماذج من الوصايا والرسائل وطائفة من كلام النساك والقصاص وكلام الحمقى ونوادرهم، ثم بعض الاختيارات البلاغية من الكلام الموثق المنسوب.

وأخشى أن يسرع بك الظن أيها القارئ المبتدئ فتظن إن ذلك الكتاب من كتب الأسمار والتسلية والنوادر وإزجاء الفراغ، وأنه صورة من صور اهتمام أدباء العرب بالجزئي دون الكلي، كما يزعم الزاعمون! وليس الطريق هنالك، إن الجاحظ مفكر قبل أن يكون أديباً، حكى شمس الدين بن خلكان، عن أبي القاسم السيرافي، قال: "حضرنا مجلس الأستاذ أبي الفضل بن العميد الوزير، فجرى ذكر الجاحظ، فغض منه بعض الحاضرين وأزرى به، وسكت الوزير عنه، فلما خرج الرجل قلت له: سكت أيها الأستاذ عن هذا الرجل في قوله مع عادتك في الرد على أمثاله! فقال: لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله، ولو واقفته (جاء في وفيات الأعيان: وافقته، بتقديم الفاء على القاف، وهو خطأ، وصوابه بتقديم القاف على الفاء) وبينت

<<  <  ج: ص:  >  >>