على أن هناك أسباباً أخرى للندرة والنفاسة، ولا يمكن حصرها والإحاطة بها هنا، وإنما يظهر منها الشيء بعد الشيء، ومعرفة ذلك موكولة إلى ثقافة المفهرس، ومعرفته بتاريخ الكتاب وحال المطبوع منها، وعن أي أصول خطية حقق الكتاب، ولا يتأتى هذا إلا بعد دربة وكثرة تفتيش، ومجالسة ومشافهة أهل العلم، وقد أدركت طائفة منهم كانت أحوال المخطوط والمطبوع من تراثنا عندهم على طرف الثمام.
وقد يطبع الكتاب ويشيع، وتكثر إفادة الدارسين منه وإحالتهم عليه، ثم تظهر منه مخطوطة تشتمل على زيادات ليست في ذلك المطبوع منه، والأمثلة من ذلك كثيرة، أكتفي منها بمثال واحد: هو شرح ديوان المتنبي للواحدي، والواحدي هو: أبو الحسن على بن أحمد بن محمد المتوفى بنيسابور سنة ٤٦٨ هـ، وهو عالم بالتفسير والأدب، ومن أشهر تصانيفه: أسباب نزول القرآن الكريم، وتفاسيره: البسيط والوسيط الوجيز.
ويعد شرحه لديوان المتنبي من أقدم شروحه وأحسنها، وقد تنبه له المستشرقون منذ زمن بعيد، فنشره المستشرق الألماني فريدرك ديترصي بمدينة برلين سنة ١٢٧٦ هـ - ١٨٦٠ م، أي منذ ١٣٥ عاماً، وما زالت هذه هي الطبعة الوحيدة التي بأيدي الناس.
[مخطوطة نفيسة]
وقد رأيت من هذا الشرح مخطوطة نفيسة في أثناء عملي بعمادة شؤون المخططات بجامعة الإمام محمد بن سعود التي أشرت إليها. وهذه المخطوطة منسوخة سنة ٦٨٠ هـ بخط نسخي جيد مضبوط، وكتبت أبيات المتنبي بخط الثلث الكبير.
وفضلاً عن قدم هذه المخطوطة وجودة خطها فقد اشتملت على خاتمة لم تأت في طبعة برلين المذكورة، وهذا نصها، يقول الواحدي:
«هذا آخر ما اشتمل عليه ديوانه الذي رتبه بنفسه، وهو خمسة آلاف وأربعمائة