"الصِّناعة" بالكسر، وأنها حرفة الصانع وعمله بيديه، دال على أن "الصَّناعة" بالفتح في المعاني دون المحسوسات، وأنها الحذق والدُّربة على الشيء".
وتأمل صنيع أبي فهر، لقد أفاد من صاحب "الكليات" ضبط "الصناعة" بفتح الصاد، لكنه خالفه في توجيه معناه! .
[تصحيح الكلام]
على أن من أعجب ما ألقاه الله على قلب هذا الرجل، من تصحيح الكلام الذي شاع خطأه في الكتب، ولم يتنبه له أحد، ما جاء في قصيدة عبد الله بن الزِّبَعْرَى يوم أحد يرثي قتل المشركين (طبقات فحول الشعراء ص ٢٣٨):
حين أَلقَتْ بقَناة بركها ... واستحرَّ القتل في عبد الأشَلْ
يقول أبو فهر: "في جميع ما وقع في يديّ من الكتب "بقباء" - يعني مكان "بقناة" - وقباء قرية على ميلين أو ثلاثة من المدينة على يسار القاصد إلى مكة، فهي إلى جنوب المدينة. وهذا أمر مشكل كل الإِشكال، فلم أر أحداً ذكر أن القتال يوم أحد نشب في قباء، وجبل أحد في شمال المدينة بينها وبينه ميل أو نحوه، ويقول البكري في معجم ما استعجم ١١٧:"أحد: جبل تلقاء المدينة دون قناة إليها"، وقناة هذه التي ذكرها البكري أحد أودية المدينة، وادٍ يأتي من الطائف حتى يمر في أصل قبور الشهداء بأحد. فأكاد أرجّح أن في رواية هذا الشعر خطأ قديماً جداً، وأن صواب الرواية ما أثبته في الشعر" ... وانظر بقية كلامه فإنه نفيس جداً.
وبعد ذلك البيت يقول ابن الزبعرى:
فقبلنا النصف من سادتهم ... وعدلنا ميل بدر فاعتدل
ويقول أبو فهر: "وهذا أيضاً بيت تكثر روايته في سائر الكتب "فقتلنا النصف" أو "فقتلنا الضعف" وهو خطأ كله؛ فإن المشركين لم يقتلوا يوم أحد نصف المقاتلة، فإن من شهد القتال من المسلمين في يوم أحد سبعمائة، قتل منهم أربعة وسبعون من الشهداء، ولا قتلوا ضعف ما قتل المسلمون يوم بدر من المشركين، فإن عدة قتلى