بدر من المشركين سبعون أو أربعة وسبعون. وإنما أراد ابن الزبعري أنهم قتلوا من المؤمنين في أحد مثل الذي قتله المسلمون منهم يوم بدر، فانتصفوا منهم، أي أخذوا حقهم كاملاً حتى صاروا على النصف سواء ... يقول: قبلنا يومئذ العدل واكتفينا به، فقتلنا من سادتهم في أحد مثل عدة من قتلوا من سادتنا في بدر.
ويدل على ذلك قوله:"فعدلنا ميل بدر فاعتدل"، أي صار سواء لم ترجح كفة على كفة".
ويتصل باللغة النحو، ولأبي فهر فيه وقفات جياد، تدل على حسن نظر وتمام فقه، ويلقاك هذا في كثير من تعليقاته وحواشيه، وحسبك أن تقرا في مقدمة كتابه: "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" شرحه لعبارة سيبويه التي جاءت في أول كتابه: "وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولما يقع، وما هو كائن لم ينقطع"، فقد أدار على هذه العبارة كلاماً عالياً لم يذكره أحد من شراح سيبويه، ولا من غيرهم من النحاة.
ويرى النحاة أن جَذِيمة الأبرش الشاعر الجاهلي القديم قد ارتكب ضرورة نحوية في قوله:
ربما أوفيت في علم ... تَرْفَعَنْ ثوبي شمالات
حيث أكد الفعل "ترفع" بالنون الخفيفة، وليس هذا من مواضع التوكيد؛ لأن الكلام موجب، فأنت لا تقول: "أنا أقومن إليك"، ويعلق أبو فهر: "ويقول النحاة: زاد النون في "ترفعن" ضرورة، وأقول إنها لغة قديمة لم يجلبها اضطرار"، طبقات فحول الشعراء ص ٣٨، وزاد ذلك في كتابه الفذ: أباطيل وأسمار، فقال في ص ٣٨٧: "وقال: "ترفعن ثوبي"، ولم يقل:"ترفع أثوابي"، وارتكب تأكيد الفعل بالنون في غير موضع تأكيده؛ لأنه جعله في حيز كلام مؤكد حذفه، ليدل على معنى ما حذف، كأنه قال:"ترفع ثوبي شمالات، ولترفعنَّه هذه الرياح الهوج، مهما جهدت أضمّ على ثوبي وأجمعه، فلما حذف "ولترفعنه" ارتكب تأكيد الفعل الأول في غير موضع تأكيد".