ومع هذا المأثور عن الفرزدق فقد بقي جمهور شعره على الجادة النحوية، وظل مدداً ثرياً للنحاة، ينتزعون منه شواهدهم في الدرس النحوي واللغوي بمستوياته الأربعة: المستوى النحوي (التراكيب)، والمستوى الصرفي (الأبنية)، والمستوى الصوتي، والمستوى الدلالي.
الضرورة الشعرية لا تبرر الخروج عن السّنن العربية:
على أنه مما ينبغي التنبه له والحذر منه أن الضرورة الشعرية - أو إن شئت لغة الشعر - لا تبيح للشاعر أن يخرج عن سَنَن العربية. قال أبو سعيد السيرافي، وهو يشرح كلام سيبويه، في الضرورة الشعرية:«وليس في شيء من ذلك رفع منصوب، ولا نصب مخفوض، ولا لفظ يكون المتكلم فيه لاحناً، ومتى وُجدَ هذا في شعر كان ساقطاً مطًّرحاً، ولم يدخل في ضرورة الشعر».
والعميد الدكتور طه حسين، الذي قال عنه الأستاذ حجازي إنه أخرج الشعر الجاهلي من سلطان النحاة، يعيب على بعض الشعراء المحدَثين خروجهم على قواعد النحو، فيقول عن الشاعر إيليا أبي ماضي إنه اتخذ ضعفه في النحو مذهباً، وقد ردد هذا الرأي الناقد اللبناني صلاح لبكي، في كتابه «لبنان الشاعر» فرأى أن شعراء المهجر آنسوا ضعفهم في اللغة، ويأسَهم من إصلاحها، فلم يجدوا بداً من أن يتخذوا هذا الضعف مذهباً، وآية ذلك فصل للأستاذ ميخائيل نعيمة في «الغربال» عنوانه ضفادع الأدب.
فليست لغة الشعر، أو الإبداع الشعري، مجازاً إلى الفوضى اللغوية، أو رخصة ليقول بعضهم:«قد فوق وقد تحت»، ولعل ذلك يذكرنا بمقالة أخرى للأستاذ حجازي، نشرها بجريدة الأهرام بتاريخ ٤/ ٣/١٩٩٢ م، بعنوان «حد الصواب وحد الخطأ»، وذكر فيها كلاماً عجيباً حول اللغة الاعتباطية، وأن القاعدة اللغوية ليست نموذجاً مثالياً لا يتغير ولا يتبدل، وأن اللغة إذا لم تكن تنزيلاً فكل شيء فيها مباح ... إلى كلام آخر كثير مما يقال فيه:«وآخر من شكله أزواج»، وهو