متباعدة حول بعض القضايا التي يسأل عنها الشيخ فيجيب، إلى أن استقر أمره على هذا اللقاء الأسبوعي: تفسير القرآن العظيم.
وفي هذا اللقاء، ويوماً إثر يوم اتضح منهج الشيخ، وتحددت ملامحه. ويهمني في هذا المقام الكشف عن هذا المنهج، وإقامة حدوده ومعالمه، وتلمس أسبابه وبواعثه؛ فإن الشيخ يمثل عندي أنموذجاً ينبغي أن نجلوه للناس، بعد أن ندل على جذوره وأصوله، وإن في ذلك كله بعثاً لتاريخ عزيز غاب عنا، أو أريد له أن يغيب.
وإذا كان لكل عالم أو مفكر مفتاح، فإن مفتاح شخصية هذا الشيخ هو «اللغة»، واللغة هي الباب الأول في ثقافات الأمم، وإهمالها أو التفريط فيها، أو السخرية منها هدم لتاريخ الأمم، ومحو لها من الوجود.
[العناية باللغة]
وعناية الشيخ باللغة تتجلى في مستوياتها الأربعة: أصواتاً وصرفاً ونحواً ودلالة. وفي طريق هذه المستويات الأربعة صال الشيخ وجال، ومما يحسب في موازينه، ويسجل له: هذه الجسارة والجرأة في معالجة تلك القضايا وجمهوره الأعظم من عامة الناس، ولكن الشيخ يرى أن هذا ضروري لتفسير كلام الله والكشف عن مراده.
وقد استطاع الشيخ على هذا المدى الطويل أن يأخذ العامة وأوساط الناس إلى قضايا التذوق والبلاغة واللغة والأدب، وخاض بهم لجج هذه العلوم، واستكثر من شواهد الشعر والأمثال وكلام الفصحاء، وأحب أن أسجل ها هنا أن عوام الناس يستجيبون لذلك ويستمتعون به، وإن كانوا لا يستطيعون التعبير عنه، فيجب أن نحسن الظن بهم، فإن لبعضهم ذوقاً قد يجفو عنه بعض الخاصة، ومن غريب ما كنت ألاحظ في أحيائنا الشعبية أن خطيب الجمعة كان إذا اندفع في الكلام الخفيف العامي على المنبر ضاق به الناس وخرجوا ساخطين يقولون:«إيه الهيافه دي؟ يا عم سيبك منه دا بيتكلم زينا»!