إن الشيخ الشعراوي قد نجح فيما عجز عنه غيره، فإننا على كثرة ما كتبنا عن الإعجاز القرآني وعبقرية اللغة العربية لم نستطع أن ننزل بهذه القضايا إلى عامة الناس، وظلت هذه القضايا دائرة بيننا، يدخل اللاحق على السابق، وكأننا نحدث بعضنا بعضاً.
وبدءة ذي بدء، فإن الشيخ يصرح بضرورة استقبال القرآن بملكة اللغة، ليخرج المستشرقين وأمثالهم، من أعاجم العرب الذين كتبوا في الدراسات القرآنية وهم بمعزل عن فقه اللغة، ثم يقول: إن هؤلاء أخذوا اللغة صناعة، ولم يأخذوها ملكة.
وما من آية من كلام ربنا عز وجل يعرض لها الشيخ بتفسير وبيان إلا وأفاض في قضايا اللغة، بادئاً بتأصيل الكلمة صرفاً واشتقاقاً، على المنهج الذي أصله ابن فارس في «مقاييس اللغة»، وابن جني في «الخصائص» بالقدر الذي تطيقه العامة وتدركه الخاصة، وقد نجح في ذلك نجاحاً ظاهراً. على سبيل المثال فحين عرض لتفسير قول الله تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم}[الإسراء: ٦٣]، ذكر أن القفو اتباع شيء لشيء، وقال: إن من ذلك «القفا» هذا المعروف، لأنه يقفو الوجه، أي يتبعه، وقافية البيت في الشعر؛ لأنها تقفو سائر الكلام أي تتبعه.
ويقف الشيخ كثيراً عند معاني الحروف وأثرها في الدلالة، ووضع بعضها مكان بعض، كقوله تعالى:{أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}[التوبة: ٣٨]، فإن معنى «من» ها هنا معنى «بدل»، وقوله تعالى: {بأن ربك أوحى لها (٥)} [الزلزلة: ٥]، فتعدى الفعل هنا باللام، مع أنه جاء معدى بإلى في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{وأوحى ربك إلى النحل}[النحل: ٦٨]، وقوله:{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه}[القصص: ٧]، وقوله تعالى:{وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم}[الرعد: ٦]، ولم يقل «مع ظلمهم». و «علم معاني الحروف» علم ضخم من علوم اللغة، والمؤلفات فيه كثيرة، والعناية به واجبة، والشيخ دائم الحديث فيه.
وللشيخ احتفال زائد بالفروق اللغوية، في الأبنية: كعالم وعليم، وشاكر وشكور، وهو الفرق بين اسم الفاعل، وأمثلة المبالغة المأخوذة منه، وكعدل وعادل