وهدي وهادٍ، وهو الفرق بين الوصف بالمصدر والوصف باسم الفاعل. ثم الفروق فيما يبدو مترادفاً من اللغة، كالفرق بين الشك والريب، والحزن والبث، والرجاء والتمني، والحسد والغبطة، وهو باب معروف من أبواب اللغة، وممن ألف فيه أبو هلال العسكري. ويفرق الشيخ كذلك في جموع التكسير بين العباد والعبيد.
وإذا كنت لا أستطيع أن ألم ها هنا بكل ما قيدته من قضايا اللغة التي يعنى بها الشيخ ويدير الكلام حولها، فإني لا أستطيع أن أغفل جانباً مهماً جداً من جوانب اللغة، يتعهده الشيخ دائماً ويحرص عليه، وهو «غريب اللغة»، وهو مصطلح يراد به الكلمات الغامضة القليلة الاستهلاك في كلام الناس، وتأتي غالباً في الكلام العالي الفصيح. وليست الغرابة في اللغة كالغرابة في البلاغة، لأن هذه يراد بها الكلام الحوشي المستكره، أصواتاً ودلالة. أما الغرابة في اللغة فتقال في مقابل الوضوح، وشاهد هذا ما ذكره الخليل بن أحمد في مقدمة كتابه العين، قال:«بدأنا في مؤلفنا هذا بالعين، وهو أقصى الحروف، ونضم إليه ما بعده حتى نستوعب كلام العرب الواضح والغريب» كتاب العين ١/ ٦٠ (طبعة العراق).
وقد دارت على هذا العلم مؤلفات كثيرة، وبخاصة: ما يسمى غريب القرآن وغريب الحديث. وهذا العلم - علم الغريب - مما أهمله الناس في زماننا هذا إهمالاً يوشك أن يكون تاماً، فقد هجره الناس هجراً طويلاً، بل إن بعضهم إذا صادف شيئاً منه في نص قديم، غيره إلى مرادف له مما يسهل على الناس، كالذي رأيت يوماً عند أحدهم من تغيير «وكان عمر بن الخطاب رجلاً طوالًا» بضم الطاء، أي بالغ الطول، غيره إلى:«رجلًا طويلًا جداً». وأشد من هذا أن بعضهم أنكر استعمال كلمة «لغوب» لعدم جريانها على ألسنة الناس هذه الأيام، مع مجيئها في القرآن العزيز!
قال تعالى: {وما مسنا من لغوب (٣٨)} [ق: ٣٨].
وهكذا ينكر كثير من الكتاب الآن ألفاظاً وتراكيب كثيرة ضاربة في الفصاحة