للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعروقها. ولست تجد هذه الألفاظ والتراكيب في النصوص الأدبية فقط، من شعر ونثر، بل إنك واجدها في علم الأنساب والتاريخ والجغرافيا، وكتب الفلك والطب والفلاحة والزراعة، وسائر ما كتب الأوائل.

وينادي بعضهم الآن بهجر هذه اللغة القديمة وتبني لغة واقعية كالتي تقرأ في الصحافة ووسائل الإعلام، حتى لا يشعر التلميذ بفجوة بين الذي يقرأه في النصوص القديمة، وبين ما يسمعه في واقع الحياة من تلك اللغة التي تلبي احتياجاته.

وحجة هؤلاء أن لكل عصر لغته وأعرافه، وهي حجة داحضة [تنبيه: حجة داحضة هذه من التعبيرات القرآنية، فلا بأس علي في استعمالها إن شاء الله]، ومردود عليها من أكثر من وجه. لكني أسأل: إذا نحن ربينا أبناءنا على هذا المنهج المقترح، وسلخ التلميذ من عمره ما سلخ في المراحل: الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم دخل كلية جامعية تعنى باللغة والأدب، مثل دار العلوم أو الآداب، فماذا هو صانع مع مناهج هذه الكليات، التي تدور حول قضايا اللغة قديماً وحديثاً؟ نعم ماذا يصنع ذلك التلميذ مع مناهج هذه الكليات، وقد دخلها مفرغاً خالي الوفاض؟ إلا إذا غيرنا مناهج اللغة أيضاً في هذه الكليات حتى نضيق الثغرة بين اللغة العربية كما تقدمها النصوص وبين اللغة العربية في واقع الحياة - كما جاء في أخبار الأدب - العدد التاسع ١٢ سبتمبر ١٩٩٣ م ص ٢٦.

إن اللغة جانباً تاريخياً يجب الحرص عليه ومعرفته، ثم إن اللغة ممتدة مع أصحابها لا تموت ولا تفنى، وليست اللغة للتفاهم وقضاء المصالح فقط، وإلا لكان القدر اللازم لنا منها محدوداً جداً، ولكان الذي يعرف خمسمائة كلمة إنجليزية تلبي احتياجاته في متاجر لندن وشوارعها عالماً باللغة الإنجليزية.

ولقد كان غريب اللغة الذي هو الفصيح الرفيع مألوفاً للناس إلى عهد قريب، في خطبة الجمعة، وفي الكتاب المدرسي والكتاب الجامعي، ثم على ألسنة المحاضرين وأقلام الكاتبين، ثم هجره الناس هجراً غير جميل، ثم جاء الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>