ومسلم، وبقية الكتب الستة التي هي دواوين السنة، ثم بعض المسانيد الأخرى، قراءة فهم وبحث وإمعان، فإذا أتقنوا ذلك كان لهم أن يبحثوا في الضعيف والموضوع، وقد بلغت السفاهة ببعضهم أن يقول عن حديث رواه الإمام الجليل أبو عبد الله البخاري:«صحَّحه فلان» يشير إلى أحد العلماء المعاصرين. أفبعد إخراج البخاري للحديث، يقال: صحَّحه فلان؟
إن الإسراف في النظريات والمناهج هو الذي أضعف إحساس أبنائنا بالعربية الأولى، وهو الذي أورثهم العجز الذي يأخذ بألسنتهم وأقلامهم، فلا يستطيعون قولاً ولا بيانًا.
على أن هذا الذي ذكره الدكتور الربيعي، والذي ذكرته أنا، يرجع إلى أننا أهملنا جوانب ضرورية في تعلم العربية. ومن هذه الجوانب التي أهملت جانب النصوص أو الحفظ ... فإنه يشيع في أيامنا هذه كلام عجيب، يبغض إلى طالب العربية «الحفظ» ويزهده فيه، بل إن الأمر قد تعدى ذلك إلى تثبيت قاعدة تجعل «الحفظ» مقابل «الفهم» وأن الطالب الذي قد تعدى ذلك إلى تثبيت قاعدة تجعل «الحفظ» مقابل «الفهم» وأن الطالب الذي يحفظ «صمام» وغير قادر على الفهم والاستيعاب، ونقرأ لمسؤول كبير عن التعليم في مصر قوله:«ولا بد أن يدرك الطالب أن زمن الحفظ والصمامين قد انتهى».
[تراثنا قائم على الرواية]
وهذا الكلام إن صدق على العلوم المعملية والتطبيقية، لا يصدق على علوم العربية، من أدب وبلاغة ولغة ونحو، وذلك لأن تراثنا كله قائم على الرواية والدراية، والرواية مقدمة، ولذلك قالوا:«الرواية من العشرين والدرابة من الأربعين». والجوهري صاحب «الصَّحاح» يقول في مقدمته: «قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة ... بعد تحصيلها بالعراق رواية وإتقانها دراية».
وقد وصل إلينا تراثنا في أول أمره عن طريق الحفظ والرواية، فقد وعته صدور الرواة والنقلة، وسلَّمته أجيال إلى أجيال، حتى أظل زمان التدوين والكتابة، فالحفظ