للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الأساس، وقد حثوا عليه ومدحوا أهله، فروي عن الأصمعي أنه قال: «كل علم لا يدخل معي الحمام فليس بعلم». ويريد أنه حافظه ومستحضره في كل وقت وعلى كل حال. وقال محمد بن يسير - من شعراء الدولة العباسية الأولى:

أأشهد بالجهل في مجلس ... وعلمي في البيت مستودع

إذا لم تكن حافظاً واعياً ... فجمعك للكتب لا ينفع

وقال بعض أهل العلم:

حفظ اللغات علينا ... فرض كفرض الصلاة

فليس يُضبط دين ... إلا بحفظ اللغات

ولولا الحفظ في تاريخنا التراثي لما أمكن لهذه الطائفة من عباقرة العربية العميان أن يسجلوا لنا هذا القدر الضخم من المعارف الإنسانية، كالذي نقرأه عند أبي العلاء المعري - وأبو العلاء فوق شاعريته صاحب لغة ونحو وصرف وعروض -، وابن سيده صاحب المحكم والمخصص، والإمام الترمذي صاحب السنن، وغيرهم كثير، مما ذكره صلاح الدين الصفدي في كتابه الطريف «نَكْت الهِمْيان في نُكَت العميان». وحسبك بقراء القرآن وعلماء القراءات، كالشاطبي صاحب المنظومة الشهيرة في القراءات السبع المسمَّاة: «حرز الأماني ووجه التهاني». وفي هذا العصر الحديث يأتي الدكتور طه حسين - رحمه الله - على رأس أفذاذ العميان المعاصرين.

إن طبيعة تعلم العربية تقتضي حفظ كثير من النصوص لتثبيت القواعد والتمكين للأبنية والتراكيب في ذهن طالب العلم. وقد قيل - الحفظ الإتقان - وذلك ما رواه أيوب بن المتوكل قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمته، سأله وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه في العلم علمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه.

وقال: لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إماماً في العلم

<<  <  ج: ص:  >  >>