للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حسن البيان]

ولقد كان من أشنع الخطأ هنا وأغلظه: الخلط بين المحسنات اللفظية وتحسين العبارة، وبينهما فرق لا يخفى، فالمحسنات اللفظية هي أنماط تعبيرية محصورة في قواعد محددة بشواهد معينة، أما تحسين العبارة الذي هو البيان، فمجاله واسع رحب، وهو قائم على أسباب كثيرة، من الغنى اللغوي، واختيار الأبنية الشاعرة المتجانسة، من الأسماء والأفعال والأدوات، وإحكان بناء الجمل وحسن تنسيقها، وإشاعة الألفة بينها، وقدرة الكاتب في ذلك كله على أن ينشئ علاقة أنس بين قارئه وبين ما يكتب، إن الكاتب المبين يجعلنا نحب بعض الكلمات ونعشقها، ترى هذا في أسلوب الجاحظ وأبي حيان التوحيدي (إذا نسي مشاكله النفسية) ومصطفى صادق الرافعي، ومحمود محمد شاكر.

وحسن البيان لا يمنع من الإلمام بهذه المحسنات اللفظية إذا جرت على قلم الكاتب في حاق موضعها غير متكلفة ولا مستكرهة.

على أن هذه المحسنات اللفظية ليست سيئة السمعة، على نحو ما يلقيه بعض أساتذة البلاغة على طلبتهم، وأنها قائمة على التكلف والتنزيف، إن المحسنات اللفظية باب ضخم من أبواب الجمال في البيان العربي، وما يجيء منها متكلفاً يعاب ويذم، كما يعاب التكلف في كل شيء ويذم، وكيف تعاب المحسنات اللفظية جملة، وقد جاء منها في كلام ربنا عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم وكلام العرب وأشعارها، قدر صالح، ألم تقرأ قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: ٢٦]، وقوله تباركت أسماؤه: {وجئتك من سبإ بنبإ يقين (٢٢)} [النمل: ٢٢]، ثم انظر «المجازات النبوية» للشريف الرضي، وشعر أبي تمام على وجه الخصوص.

إن كثيراً من شواهد التورية والجناس تحدث إمتاعاً للنفس لا مزيد عليه، فضلاً عما يستخرجه بعضها من أسباب الضحك والبهجة، وكثير من نكاتنا المصرية تجري على هذا الباب، ولولا الجد الذي نحن فيه لأمتعتك بشيء منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>