للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كتبت رسالة في "التصحيف والتحريف" حاولت فيها أن أجمع أسباباً لحدوث هذه الظاهرة، وقد انتهيت إلى عشرة أسباب، يدور معظمها حول الجهل بغريب اللغة ومعانيها ولغات القبائل ولهجاتها، وخداع السمع، وخفاء معنى الكلمة على الناسخ أو القارئ، فيعدل بها إلى كلمة مأنوسة مألوفة تتفق حروفها أو تتقارب مع الكلمة الغامضة، ثم الجهل بأنماط التعبير عند القدماء، والجهل بمصطلحات العلوم، وأسماء البلدان، ثم الإِلف والعادة، وضربت لذلك كله الأمثال، من الكتب المطبوعة، وأحاديث الناس ومحاضراتهم، مما لا يتسع المقام لذكره هنا.

[التصحيف .. وتغيير التنقيط]

وتبقى قضية خطيرة جدّاً، أرجو من قارئي الكريم أن يمنحني شيئاً من وقته واهتمامه، وأنا أدعو له بالسلامة والعافية إن شاء الله:

لقد جاء في رد وزارة التعليم الذي نشرته الأهرام يوم الثلاثاء ٨/ ٨/١٩٩٥ م في الاعتذار عن الخطأ الواقع في شعر أحمد شوقي، هذا الكلام: ما حدث من خطأ يعود كما يعرف أهل اللغة إلى ظاهرة شائعة في تراثنا العربي تسمَّى "التصحيف"، وكما يعرف الجميع أن المقصود بالتصحيف هو تغيير التنقيط من حيث الوجود والعدم، وهي ظاهرة تتكامل مع ظاهرة أخرى تسمَّى "التحريف" وتؤدي إلى اختلاف موضع التنقيط بين حروف الكلمة، ومن أشهر الأدلة على ذلك في تراثنا القراءة المشهورة للآية الكريمة في سورة الحجرات رقم ٦: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، حيث تقرأ "فتثبَّتوا" كما قرئت "فتبيَّنوا" أما في الشعر العربي فهناك الآلاف من الأبيات التي رويت بروايات متعددة جميعها صحيح من حيث الوزن وإن اختلفت من حيث الكلمة والشكل والمعنى والدلالة، ويتضمن ذلك بديهيّاً ظاهرتا التصحيف والتحريف".

وهذا كلام واه ضعيف، بل قل: إنه كلام لا وزن له، وأمسك القلم عن الاسترسال في وصفه، ولكني أحب أن أسأل: كيف يتأتى وصف ظاهرة "التصحيف"

<<  <  ج: ص:  >  >>