للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي أحمد العسكري - وهو خال أبي هلال صاحب كتاب الصناعتين، وكتاب ديوان المعاني - يقول أبو أحمد: "فالاحتراس من التصحيف لا يُدرك إلا بعلم غزير، ورواية كثيرة، وفهم كبير، وبمعرفة مقدمات الكلام، وما يصلح ان يأتي بعدها مما يشاكلها، وما يستحيل مضامته لها ومقارنته بها، ويمتنع من وقوعه بعدها، وتمييز هذا مستصعب عسر إلا على أهله الحاملين لثقله والمستعذبين لمرارته، وقد قالت الحكماء: العلم عزيز الجانب، لا يعطيك بعضه أو تعطيه كلك، وقالوا: لا يدرك العلم براحة الجسم"، شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف

ص ١، ٢.

هذا وقد عزَّف العلماء التصحيف والتحريف بتعريفات شتى، أعدلها وأقربها إلى الصواب ما قيل من أن التصحيف: هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط، مثل كلمة "العيب" التي يمكن أن تقرأ هكذا، وتقرأ أيضاً: الغيث - العنب - الغيب - العتب. فلو أهمل النقط في هذه الكلمة لأمكنك تحديد المراد عن طريق السياق والقرائن والفطنة، على الوجه الذي بينَّه أبو أحمد العسكري.

وأما التحريف: فهو العدول بالشيء عن جهته، قال عزَّ مِن قائل: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: ٤٦]، وقال تقدست أسماؤه: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة: ٧٥].

والتحريف قد يكون بالزيادة في الكلام أو النقص منه، وقد يكون بتبديل بعض كلماته، وقد يكون بحمله على غير المراد منه، فهو بكل هذه التعريفات أعم من التصحيف، وبعض القدماء لا يفرق بين التصحيف والتحريف، يجعلهما مترادفين. راجع الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير. شرح الشيخ أحمد محمد شاكر ص ١٧٢.

والمأخذ اللغوي لمصطلح "التصحيف" يرجع إلى الأخذ عن الصحف، دون التلقي من أفواه المشايخ، لأن علومنا في الأصل قائمة على التلقي والرواية والمشافهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>