ذات يوم ضمنا مجلس علمي لقسم اللغة العربية بإحدى الكليات، وطرح رئيس المجلس قضية محالة على القسم من عميد الكلية، توصي بأخذ رأي الطالب في تقييم عمل الأستاذ وترقيته. ولم يكد رئيس القسم ينتهي من قراءة هذه التوصية حتى هبت ريح عاصفة كادت تدمر كل شيء، ومادت بنا الأرض، وعلا ضجيج، واختلطت أصوات، وجحظت عيون، وانطلقت ألسن تدفع الضيم وترد الحيف عن الأستاذ الجامعي، وتريد أن ترفعه إلى مكان علي لا ينال ولا يطال، وكأنه ذلك النبي المرسل المصطفى المختار من عباد الله، المؤيد بالوحي، الذي لا ينطق عن الهوى، المعصوم من الخطأ، المبرأ من الهوى، أو كأنه تلك الصخرة التي شبه بها سفيح بن رياح الفرزدق، في قوله:
إن الفرزدق صخرة ملمومة ... طالت فليس تنالها الأوعالا
(وانتصاب الأوعال بطالت: أي طالت هذه الصخرة المشبه بها الفرزدق الأوعال. وإنما قال هذا؛ لأن مأوى الوعل أعالي الجبال. والوعل: هو التيس الجبلي)، وسمعنا في هذه الجلسة كلاماً ضخماً فخماً عن كرامة العلم وهيبة الجامعة. أما ذلك الطالب المسكين فقد جاءه الذم من كل مكان، ونال حظه موفوراً من التنقص والمعابة، وسوء الرأي وضعف التدبير.