وقد خرج من هذه المطابع آلاف الكتب في كل علم وفن، مما لم تعرفه أمة من الأمم، ولم تشهده ثقافة من الثقافات.
[خمسة كتب في كتاب واحد]
وقد شاعت ظاهرة غريبة جداً في طبع الكتب تلك الأيام. فقد جرى كثير من المطابع على طبع كتاب أو أكثر بهامش الكتاب الأصلي، أو بآخره لصلة ذلك بالكتاب. وكأن القوم كانوا في سباق لنشر الفكر العربي وإذاعته ... وهذه الظاهرة لم تعرف إلا في مطابع مصر واستنابول. ومن أطرف ما يذكر هنا أنَّ هناك خمسة كتب مطبوعة في كتاب واحد، وفي صفحة واحدة اجتمعت الكتب الخمسة، في الصلب والهامش، مفصولة بجداول، دون أن يختلط بعضها ببعض، وذلك هو الكتاب المسمَّى:«شروح التلخيص» في علوم البلاغة، ويشتمل على:
١ - شرح سعد الدين التفتازاني على تلخيص المفتاح، للخطيب القزويني.
٢ - مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح، لابن يعقوب المغربي.
٣ - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، لبهاء الدين السبكي.
٤ - الإيضاح، للخطيب القزويني.
٥ - حاشية الدسوقي على شرح السعد.
والثلاثة الأولى طبعت في صلب الكتاب، والاثنان الآخران بهامشه، وهذا ما جعل بعض إخواننا الظرفاء يقول: لا بد من فض الاشتباك بين هذه الكتاب.
ثم توالى طبع الكتاب العربي في بلاد أخرى خارج مصر، مثل الهند. ومن أشهر مراكز النشر فيها تلك الدار الكبرى «دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن»، ولهذه الدائرة نشاط ظاهر في نشر علوم الحديث ومتونه وتاريخ رجاله، إلى مجلدات ضخمة في علوم أخرى، مثل كتاب «الحاوي في الطب» لأبي بكر الرازي، في ٢٣ جزءاً، ونظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي في ٢٠ جزءاً، ومن قبل ذلك فللهند تاريخ قديم في نشر الكتاب العربي، فقد طبع بها «كتاب سيبويه»