للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملاحظة التي ذكرتها من قبل وهي أن معظم نشاط هؤلاء النسوة إنما كان في مجال الدراسات الجامعية، فلم نجد عند واحدة منهن أعمالاً خارجية عن هذه الدائرة، كتلك الأعمال التي نهض بها الرجال، إلا ما كان من أمر وداد وخديجة وسكينة.

وفي رأيي، أن ذلك الإحجام من النساء عن خوض هذه اللجج إنما يرجع إلى جهد المؤنة وعناء المكابدة التي يلقاها من يتصدى لتحقيق النصوص ونشرها، لأن العمل في هذا المجال محوج إلى مراجعات كثيرة في بطون الكتب، ومفاتشة المصادر، ومعرفة التعامل معها واستنطاقها، ثم هو عمل يحتاج إلى صبر شديد وحسن أناة، ودربة على قراءة المخطوطات، وفك معمياتها، ثم ما يكون من التعليق على النص وإضاءته وربطه بالكتب التي تدور في فلكه، أو تكون منه بسبب، ثم صنع الفهارس الفنية الكاشفة كنوز الكتاب، وكل ذلك مما لا يقوى عليه ولا يقوم به إلا أولو العزم من الرجال.

[مرحلة النشر العلمي]

ثم نأتي إلى العالمة الأديبة الراحلة "عائشة عبد الرحمن" الملقبة "بنت الشاطئ"، ولها في تاريخ نشر النصوص مكان ومكانة، وقد دلفت إلى ذلك المجال التراثي من باب الدراسات الجامعية أيضاً؛ ولكنها دخلت ولم تبرح، فقد أقامت أطروحتها للدكتوراه، بعنوان "الغفران- دراسة نقدية، مع تحقيق رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، و"الرسالة" هذه أشهر آثار أبي العلاء، وأخلدها على الأيام، وكان المشرف على هذه الأطروحة الدكتور طه حسين، وقد نوقشت في الخامس من أبريل عام ١٩٥٠ م، بكلية الآداب- جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وأجيزت بتقدير "ممتاز"، ثم حصلت بهذا التحقيق على جائزة مجمع اللغة العربية في تحقيق النصوص.

وأحب أن أنبه هاهنا إلى أن بنت الشاطئ حين أقدمت على تحقيق هذا النص- وكان ذلك في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات- كان تحقيق النصوص قد استقر علماً له مناهج ومدارس، وكان المستشرقون قد مدوا فيه يداً مبسوطة، وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>