للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي البلدان العربية الإسلامية، كان نشر النصوص قد انتقل من مراحله الأولى- أعني مرحلة مطبعة بولاق ومطابع استنبول والشام، ثم المطابع الأهلية المصرية والناشرين المصريين والشوام الذين وفدوا إلى مصر، واتخذوها دار مقام، كالحلبي والخانجي ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي، والخشاب، انتقلوا من هذه المرحلة إلى مرحلة النشر العلمي، من حيث التوثيق وجمع النسخ المخطوطة، ثم دراسة الكتاب المحقق وبيان مكانته في المكتبة العربية وفهرسته، وكانت ديار مصر في ذلك الوقت بالذات تؤسس هذا العلم وتقيمه على عمد ثابتة، وذلك فيما عرف بمدرسة أحمد زكي باشا شيخ العروبة، ودار الكتاب المصرية، ثم مرحلة الأفذاذ من الرجال (أحمد محمد شاكر، ومحمود شاكر، وعبد السلام هارون، والسيد أحمد صقر)، وقد فصلت ذلك كله في كتابي: "مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي"

فكانت جرأة عالية، وهمة جسورة من بنت الشاطئ أن تبحث لها عن مكان بين هؤلاء الأفذاذ من الرجال في ذلك الزمان. وقد اقتحمت وما وهنت وما قصرت، فقد أخذت للأمر أخذه، وأعدت له عدته، فجمعت أصح النسخ وأوثقها من "رسالة الغفران" المخطوطة، ثم عرضت للنشرات السابقة من الرسالة، وكشفت عن أوجه النقص فيها، ثم قدمت نصاً محرراً مضبوطاً، مضاء ببعض التعليقات، وأزالت عنه عوادي الناس والأيام، ولئن كان بعض شيوخ التحقيق قد عرضوا لعملها فيما بعد بالنقد والتصحيح، فسيظل لهذا العمل مكانته في خدمة تراث أبي العلاء، ثم في تاريخ المكتبة العربية كلها.

وقبل أن أستطرد إلى ذكر باقي الأعمال التراثية لبنت الشاطئ، أحب أن أقف عند أمرين، لابد من بيان القول فيما، لما نراه الآن من اضطراب وتخليط في أمر تحقيق النصوص:

الأمر الأول: أن بنت الشاطئ لم تقدم على تحقيق "رسالة الغفران" إلا بعد أن عاشت مع أبي العلاء، وخبرت حياته ونفسيته، وعرفت لغته ومدارج القول عنده، وقد أنبأتنا هي أنها عرفت "رسالة الغفران" أيام الطلب حين قرأتها مع أستاذها طه

<<  <  ج: ص:  >  >>