للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنها شائعة في تراثنا العربي؟ وما هو هذا الشيوع، وما هي نسبته أمام التراث العربي المقطوع بصحته وسلامته؟ وما حقيقة هذه الآلاف من الأبيات التي رويت مصحَّفة؟ ألا يسقط هذا الكلام الثقة في تراثنا الشعري والنثري كله؟ ثم بأي وجه وبأي لسان نلقى أبناءنا وطلابنا في فصول المدارس ومدرَّجات الجامعات، بعد هذا التشكيك الذي نشر في أكبر صحفنا وأوسعها انتشاراً.

ولنترك هذا كله، ولنقف عند أبشع شيء وأغلظه، وهو ذلك الكلام: "ومن أشهر الأدلة على ذلك في تراثنا القراءة المشهورة للآية الكريمة في سورة الحجرات رقم ٦: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... }، حيث تقرأ "فتثبتوا" كما قرئت "فتبيَّنوا"! ! ! لا يا قوم، توبوا إلى بارئكم، واتقوا ربكم واخشوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.

إن إيراد الكلام على هذا النحو وفي ذلك السياق والاستدلال يعطي بصريح اللفظ أن القراءتين "فتبيَّنوا" - "فتثبتوا" أثر من آثار التصحيف، ثم لنا أن نسأل: من الذي صحف في هذه الآية الكريمة؟ أو: من هو المصحِّف الأول الذي تبعه الناس منذ نزول القرآن الكريم إلى يوم الناس هذا؟ ثم ما هي القراءة الأصل وما هي القراءة المصحَّفة، فإن كل تصحيف له أصل عدل عنه؟ وثم وثم وثم ...

يا أيها الناس، إن القراءة سنة وأثر ورواية وإتباع، وليست لغة يلعب بها الناس مهما بلغ مبلغهم من العلم. روى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، قال: " لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت كذا وكذا، وذكر حروفاً"، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للحافظ الذهبي ١/ ١٠٢، ١٠٣.

وأبو عمرو ابن العلاء هو أحد القراء السبعة، وكان إماماً في اللغة والنحو، ثم كان راوية لذي الرمَّة الشاعر المعروف الذي يقال إن شعره ثلث لغة العرب. وقول أبي عمرو: "ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ به"، يريد: أي بما جاءت به الرواية

<<  <  ج: ص:  >  >>