للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، فليست القراءة عن رأي واجتهاد، ليقرأ كل قارئ بما يرتاح إليه أو بما يمشي مع قواعده، وليس كل ما يجوز في العربية والنحو تجوز به القراءة، وقد شدد أهل العلم في ذلك، وكان أكثرهم تشديداً ونكيراً أبو إسحاق الزجاج رحمه الله، وكرَّره في أكثر من موضع في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) فممَّا قاله في الجزء الثالث ص ٢٨٨: "والأجود إتباع القرَّاء ولزوم الرواية، فإن القراءة سنة، وكلما كثرت الرواية في الحرف وكثرت به القراءة فهو المتبع، وما جاز في العربية ولم يقرأ به قارئ فلا تقرأن به، فإن القراءة به بدعة، وكل ما قلَّت فيه الرواية وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ، ولا ينبغي أن تقرأ به"، وانظر أيضاً ص ٤٥ من الجزء الأول من كتاب الزجاج هذا، ففيه كلام عال نفيس عن إتباع السنة والرواية في قراءة القرآن الكريم.

وقال القرطبي في تفسيره ٥/ ٤: "والقراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تواتراً يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فمن ردَّ ذلك فقد ردَّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم، واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور، ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، فإن العربية تتلقى من النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يشك أحد في فصاحته".

فإذا ثبت هذا - وهو ثابت إن شاء الله - فإن كلتا القراءتين في آية سورة الحجرات مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما في اصطلاح القراء قراءتان سبعيتان، بأيهما قرأ القارئ أصاب السنة وأحرز الأجر، وليست إحدى القراءتين مصحَّفة عن الأخرى، تعالى الله وتعالى كلامه عما يقولون علواً كبيراً.

وقد قرأ "فتبيَّنوا" بالتاء الفوقية والباء الموحدة والياء التحتية والنون: ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، وقرأ "فتثبتوا" بالتاء الفوقية والثاء المثلثة والباء الموحدة والتاء الفوقية: حمزة والكسائي، قال الإِمام الجليل أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: "والقول عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قَرَأَة المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ، لأن "المتثبت" متبيَّن، و "المتبين" متثبت، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب صواب القراءة في ذلك"

<<  <  ج: ص:  >  >>