متنوعاً في معارفه، فاضلاً، لكنه كان يغلب عليه الوعظ"، فتأمل هذا الاستدراك الذي يوشك أن يسلب الوعاظ فضيلة في مجال الفكر والعلم.
وقد كتبت عن الشيخ الشعراوي كلمة بمجلة "الهلال" فبراير ١٩٩٤ م أبنت فيها عن علمه، وكشفت فيها عن المخبوء تحت طي لسانه، وانتهيت إلى أن الشيخ يمثل صورة زاهية للعالم الأزهري المؤسس على علوم العربية وقوانينها، من حفظ اللغة - قريبها وغريبها - وحفظ الشعر واستظهار المتون، وإتقان التعريفات، والنظر في الحواشي والتقريرات. ومن وراء ذلك ما يفتح الله به عليه، ويكشفه له من بعض أسرار الذكر الحكيم، فإن هذا القرآن الكريم" لا يخلَق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه" كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي والدارمي.
وكنت قد ذكرت في كلمتي عناية الشيخ باللغة في مستوياتها الأربعة: النحو والصرف والأصوات والدلالة، وأضيف اليوم شيئاً عجيباً سمعته أخيراً في حلقة تلفزيونية، جاء في كلام الشيخ "البشارة والنذارة" يريد التبشير والإِنذار.
و"النذارة" بكسر النون بمعنى الإِنذار، مما أثر عن الإِمام الشافعي فقط، والشافعي لغته حُجة، وهو من أئمة اللسان، كما ذكر الفيومي في المصباح "بعض". قال صاحب القاموس المحيط: "والنذير: الإِنذار، كالنذارة بالكسر، وهذه عن الإمام الشافعي".
قلت: وقد جاء تصديق كلام الفيروزآبادي هذا، في النسخة الخطية من "الرسالة" للشافعي، وهي بخط الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي، وعليها توقيع الربيع سنة "٢٦٥ هـ". والنسخة محفوظة بدار الكتب المصرية، وهي من أقدم المخطوطات في العالم. ويقول الشيخ أحمد شاكر في وصف هذه النسخة: "وأما الثقة بها فما شعت من ثقة: دقة في الكتابة، ودقة في الضبط ... ومن اقوى الدلالة على عنايته بالصحة والضبط: أنه وضع كسرة تحت النون في كلمة "النّذارة"، وهي كلمة نادرة لم أجدها في المعاجم إلا في القاموس، ونص على أنها عن الإِمام الشافعي".