للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصنيف فيه، ما بين مختصر ومبسوط. وذلك لغلبة مذهب مالك على أهل هذه الديار.

ولن يتسع المقام لأكثر من هذه المثل، وهي كثيرة مفرطة في الكثرة. وحسبنا أن نختم بذكر أثر خطير من آثار الفكر الإسلامي، نشط له المغاربة، وتناولوه بالشرح والتعليق، على حين قصر غيرهم، استعظاماً لشأنه، وتهيباً من مسالكه، ذلك هو كتاب «البرهان» في أصول الفقه، لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (بضم الجيم وفتح الواو: نسبة إلى جوين، بلدة من نواحي نيسابور) من أئمة علماء الشافعية في القرن الخامس.

يقول تاج الدين السبكي عن هذا «البرهان»: «اعلم أن هذا الكتاب وضعه الإمام في أصول الفقه، على أسلوب غريب، لم يقتد فيه بأحد، وأنا أسميه لغز الأمة لما فيه من مصاعب الأمور، وأنه لا يخلي مسألة عن إشكال، ولا يخرج إلا عن اختيار يخترعه لنفسه، وتحقيقات يستبد بها. وهذا الكتاب من مفتخرات الشافعية، وأنا أعجب لهم، فليس منهم من انتدب لشرحه ولا للكلام عليه، إلا مواضع يسيرة تكلم عليها أبو المظفر بن السمعاني في كتاب «القواطع» وردها على الإمام، وإنما انتدب له المالكية، فشرحه الإمام أبو عبد الله المازري شرحاً لم يتمه، وعمل عليه أيضاً مشكلات، ثم شرحه أيضاً أبو الحسن الأنباري من المالكية، ثم جاء شخص مغربي، يقال له: الشريف أبو يحيى، جمع بين الشرحين».

ويقول السبكي في موضع آخر عن المازري: «هذا الرجل كان من أذكى المغاربة قريحة وأحدهم ذهناً، بحيث اجترأ على شرح «البرهان» لإمام الحرمين، وهو لغز الأمة الذي لا يحوم نحو حماه، ولا يدنان حول مغزاه، إلاَّ غواص على المعاني، ثاقب الذهن، مبرز في العلم» (١).


(١) طبقات الشافعية الكبرى, تحقيق أخي الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو, وكاتب هذا المقال, الجزء الخامس, صفحة ١٩٢, والسادس ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>