للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع الأداء الدقيق إلى أبعد حدود الدقة، مسهباً مطنباً، أو موجزاً مجملاً"، المدارس النحوية ص ٣٤٦، ٣٤٧.

فهذا ابن هشام يراه الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي مظهراً من مظاهر الضعف والانحطاط، ويراه ابن خلدون وشوفي ضيف: محيي صناعة النحو في تلك العصور الوسطى بعدما كادت تؤذن بالذهاب، وأنه قرين سيبويه وابن جني، وأنه قد تعمق مذاهب النحاة وتمثلها ثم أحسن عرضها ومناقشتها ... وهذا على نحو ما قال ربنا عزَّ وجل: {إنهم يرونه بعيداً * ونراه قريبا) [المعا رج: ٦، ٧].

وهذا ابن منظور يراه الأستاذ حجازي مظهراً من مظاهر الانحطاط والضعف أيضاً، ويراه أهل العلم بالعربية صاحب أول معجم عربي كبير، جمع جذور اللغة العربية بمناهج المعاجم المختلفة "لسان العرب" تذكره ولا تصفه، لأنه أحد معالم حضارتنا العربية.

على أن للقضية وجهاً آخر، هو ما ذكره الأستاذ حجازي ويذكره غيره من الدارسين الجامعيين وغير الجامعيين، من وَسْم العصر المملوكي بالانحطاط والتخلف لضعف الأدب والشعر فيه. ورد هذا الكلام ونقضه في غير هذا المكان، لكني أشير هنا إلى أنه لولا ما صنعه ابن منظور وابن هشام ومن إليهما من لغويي ونحاة وعلماء القرن الثامن (وهو العصر المملوكي) من هذه الأعمال الموسوعية لضاع علم كثير، ولضعفت ذاكرة الأمة العربية ثم تلاشت، وهو (الدور) العظيم الذي اضطلعت به مصر والشام في ذلك الوقت غداة سقوط بغداد، وإيذان شمس الأندلس بالغروب، فكانت القاهرة ودمشق ملاذاً وملجأً لعلماء بغداد والأندلس، فواصلوا المسيرة التي بدأوها في بلدانهم قبل أن تغشاها النوائب، وشاركوا قرناءهم من علماء مصر والشام في تلك الأعمال التجميعية الضخمة، كابن منظور وابن هشام وصلاح الدين الصفدي، وشمس الدين الذهبي، وشيخ الإِسلام ابن تيمية، وأبي الحجاج المزي، وأبي حيان الأندلسي، وابن سيد الناس اليعمري، وشهاب الدين النويري، صاحب "نهاية الأرب في فنون الأدب" الذي يقول فيه المستشرق فازيليف: "إن نهاية

<<  <  ج: ص:  >  >>