للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيباني وابن السكيت وثعلب والسكري. وقد قدم هؤلاء مادة لغوية غزيرة من خلال شرح ما صنعوه وما جمعوه من شعر.

هذا إلى اهتمام علماء كل فن وعلم باللغة، يقدمونها أمام كل بحث، ويُعْنَوْن بها قبل كل كلام. ولا عجب في هذا، فاللغة هي المدخل الحقيقي لمعرفة علومنا كلها وتاريخنا كله، والاستهانة بها والتفريط في قواعدها ورسومها إنما هي استهانة وتفريط بمعارفنا وعلومنا كلها.

وقد انتهى إلى ابن منظور حصاد طيب في التصنيف المعجمي، نظر فيه واستصفى منه خمسة كتب بنى عليها معجمه، وهذه الكتب بحسب ذكره لها: تهذيب اللغة للأزهري (٣٧٠ هـ)، المحكم لابن سيده (٤٥٨ هـ)، والصَّحاح للجوهري (حدود ٤٠٠ هـ)، والحواشي عليه لابن بَرَّي المصري (٥٨٢ هـ) وتسمى هذه الحواشي: التنبيه والإيضاح عما وقع في الصَّحاح. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (٦٠٦ هـ).

وتمثل هذه المراجع الخمسة ثلاث مدارس في التأليف المعجمي: المدرسة الأولى، مدرسة ترتيب المواد اللغوية وفق مخارج الحروف، وهي مدرسة الخليل بن أحمد، ويمثلها من هذه الكتب: التهذيب والمحكم. والمدرسة الثانية: التي ترتب المواد على الجذور اللغوية (أصل الاشتقاق) واعتبار الحرف الأخير منها باباً، والحرف الأول فصلًا، مع مراعاة الترتيب الألفبائي فيما بين حرفي الباب والفصل.

ويمثل هذه المدرسة الصَّحاح وحواشيه. والمدرسة الثالثة: التي ترتب المواد وفق الأول والثاني والثالث. ويمثلها النهاية.

وقد ارتضى ابن منظور من مناهج هذه المدارس منهج المدرسة الثانية، مدرسة الصَّحاح، ورتب كتابه على أساسها، وأخضع المدرستين الأخريين لها. وقد صدَّر ابن منظور معجمة بمقدمة أبان فيها عن منهجه، وأنبأنا أنه تغيَّا من تأليفه هذا غايات ثلاثاً:

الغاية الأولى تعليمية، وتمثلت في نقده لطريقة ترتيب المواد وفق المخارج، ويصف ذلك بقوله: إنه «مطلب عسر المهلك، ومنهل وعسر المسلك، وكأن واضعه شرع للناس مورداً عذباً وحلَّأهم عنه».

<<  <  ج: ص:  >  >>