فحثه شخص» لضبط الحروف المهموسة. فبهذه الضوابط الشعرية والنثرية تعلمنا الأدب واللغة والنحو، وتعلم من قبلنا، لأننا سلمنا ولأنهم سلموا من زلازل التطوير وأعاصير التيسير. وإنه لواجب علينا إذا أردنا الخير لهذا الجيل أن نحيي فيهم مهارات الحفظ، ونقدم لهم قواعد العربية من خلال النصوص التراثية الموثقة.
ولقد جاءني ابني بكتاب القراءة والنصوص الأدبية للصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي ١٩٩٠ م - ١٩٩١ م، وفي ص ١٣ منه جاء هذا السؤال:(اختر الصواب مما بين كل قوسين: مقابل غضب (رضا - سرور - سكون) وطلب مني ابني الجواب الصحيح، فقلت له (رضا) وقال هو (سرور) وأصر على رأيه، لأنه لم يستسغ أن يكون «الرضا» مقابل الغضب ولأن أستاذه قال ذلك أيضاً والأٍستاذ لا يخطئ ولم يقتنع حتى ذكرت له حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي أخرجه أبو داود في سننه ٣/ ٣١٨، والحاكم في مستدركه ١/ ١٠٥، أنه قال:«يا رسول الله، أكتب ما أسمع منك؟ قال: «نعم»، قلت: عند الغضب وعند الرضا؟ قال: نعم إنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقاً».
وهنا انفرجت أسارير ابني، ونظر إليّ (نظرة الرضا لا الغضب).
فهذا السؤال الذي جاء في ذلك الكتاب المدرسي سؤال جيد، لأنه يزيد المحصول اللغوي عند التلميذ لا محالة. ولكنه ينبغي أن يكون مؤسساً على نصوص محفوظة للتلميذ بها أنس ومعرفة سابقة. وأنَّى لتلميذ في هذه السن أن يختار بين هذه الكلمات القريبة المعاني دون نص يشهد وحفظ يؤيد، فالحفظ وسيلة ضبط وإتقان ينبغي أن تراعى من أول درجة من درجات سلم التعليم، ولا تشفقوا على الصغار والناشئة، فإن فيهم خيراً كثيراً، وانظروا إلى هؤلاء الصغار الذين يظهرون على شاشة التلفزيون من أعضاء «المسلم الصغير» وتأملوا حلاوة الأداء وسلامة مخارج الحروف، ثم حفظ نصوص القرآن والحديث عن ظهر قلب. ومن وراء ذلك كله فالحفظ عاصم من التخليط في أبنية الأسماء والأفعال.
وإذا كان القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، فإنه أيضاً كتاب عربية وبيان،