الكاملة الحقيقية لتاريخ أمتنا وقضايانا الفكرية. فما زالت الأيام تظهرنا يوماً بعد يوم على نفائس من تراثنا المخطوط كنا نجهلها أو نعدها من المفقودات. وكم في الزوايا من خبايا.
وهذه المخطوطات التي تجود بها المكتبات الخاصة والعامة حيناً بعد حين ينبغي أن تنتهي بنا إلى الحذر في إصدار الأحكام الحاسمة وقول الكلمة الأخيرة. فإن القول الفصل في قضايا الفكر والأدب لا يصار إليه قبل استيفاء أدوات البحث، وأهم هذه الأدوات، بل عدتها الأولى: النصوص في مختلف عصورها.
وقد أتاح لي عملي بمعهد المخطوطات - جمعاً وفهرسة - وجلوسي إلى أشياخ العلم ونشري لبعض الكتب، ثم إشرافي على عدد من الرسائل الجامعية التي تدور في فلك تحقيق النصوص - أتاح لي ذلك كله أن أقف على غرائب وعجائب في بطون المخطوطات تنقص كثيراً مما استقر عند الباحثين والدارسين في تاريخنا الفكري، وذلك لاعتمادهم على مصادر محدودة، وغياب تلك المخطوطات التي لم تنلها أيديهم.
وإن في وجود هذا القدر الضخم من مخطوطاتنا التي تعج بها المكتبات العامة والخاصة شرقًا وغرباً، والتي تنتظر الهمم لبعثها ونشرها، ما يدل على أن هناك حلقات مفقودة في تراثنا المطبوع.
وخذ مثلًا «الكتاب» لسيبويه. وهو قرآن النحو، كما يقولون: مضى على طبعه أول مرة أكثر من مائة عام. وفي «الكتاب» من العسر والغموض على شداة العلم ما هو معروف ومتعالم، بل إن بعض إشارات سيبويه ومباحثه تدق على الخاصة، فكان ينبغي أن ينشر كل ما يتصل بهذا الكتاب الإمام، من شروح وتقييدات، وقد ن شر شيء من ذلك، ولكن بقي أهم شرح له، وهو شرح أبي سعيد السيرافي، أليست الأحكام على سيبويه وعلى «كتابه» ناقصة في غياب هذا الشرح الكبير؟ ثم «ألفية ابن مالك» أشهر نظم نحوي، نشر كثير من شروحها، ولكن بقي أهم شرح لها، وهو شرح الإمام الشاطبي، صاحب «الموافقات»، و «الاعتصام». وكتاب «التسهيل» في النحو،